نبض البلد - صاحبة الدور الغائب الحاضر، هل خلقنا مشكلة التعليم وعلقنا بها، نقف اليوم على ابواب معطيات تنذر بتغيير كل شيء، لن نستطيع تجاوز الذكاء الإصطناعي بإسلحة مضى عليها الزمان وشرب، اليوم كل المهن التقليدية مهددة، بالأمس شارك واحد وعشرين روبوت في المارثون الصيني الأخير، وهذه الألة قادرة على قطع المسافة والتعامل مع المعطيات المتغيرة، وآلاف العناصر المتحركة، وتحديد مسارها والوصول إلى الهدف، حتى تتخيل فقط كم هي المهن البسيطة والصناعية والإدارية والتعليمية والطبية، والقائمة على ضبط الجودة والتدقيق والتفتيش والمحاسبة المعرضة للخطر، ثم بعد ان ينهي هذا عمله وتغلق المنشأة أبوابها، يقوم بالتنظيف والصيانة والحراسة، وحتى المواصلات ووسائل نقل وغيرها الكثير تبع ا سيتبع في سنوات معدودات.
هي هكذا هناك من يفتح بابا لا يدرك ماذا سيجد خلفه، وما هي الأمور التي من الممكن ان تستجد، وأين سيقف كل هذا، ونحن ما زلنا عالقين في شكل الثانوية العامة والمناهج التي تتغير يوم بعد يوم، وهذا النقاش لن يحل المشكلة، نعم الجميع كان سببا بشكل مباشر او غير مباشر في الأمر.
وهذا ما نقوله دائما بأن أثار التصرفات السلبية التي تراكمت عبر السنين، بسبب تجاوز على هذا الإمتحان من بعض المتنفذين، او الغش الذي إنتشر فترة من الزمن، او عدم قيام المعلم بواجبه من اجل دفع الطلاب إلى الدروس الخصوصية، سواء كان ذلك طمعا او بسبب العجز الكبير في الرواتب، والتي لا ترقى لأن تؤمن حياة كريمة، مع أني لا ارى أن هذا سببا مقنعا، فالحلال بين والحرام بين.
من كان له دور في اخراج التوجيهي عن هدفه، ونزع منه اسباب قوته، بل من جعله بابا للحياة او الموت، وطريق للخلاص او الدمار، فمن أبدع في هذا الإمتحان فتح الباب، وإلا فهو من المتعثرين وقد يصل وقد لا يصل، ما دفع الكثير من الاهالي للبحث عن توجيهي سوداني ومصري وليبي وغيره، والغرب ترك المدرسة مدرسة، والجامعة جامعة، ولكنه شدد في سبل التخرج والتأكد من الكفاءة والتحصيل، فلن تنجح إذا لم تنجح، وعندها قد يدخل تخصص ما مثل الهندسة او الطب مئات، ولكن يتخرج منه عشرات.
ونحن من دخل دار ابو سفيان فهو آمن، وهذا الآمن يريد وظيفة عامة، وان يصبح منصبا او مسؤولا او وزيرا، أو على الأقل في الديوان او الجمارك او الضمان، واختلطت هيكلة الرواتب بمخرجات الجامعات، فلا هذه استقامت ولا تلك صلح حالها، وهكذا علقنا في الفراغ، وابتعد الناس عن المهن والتعليم الحرفي، واصبح لدينا تخمة في كل ما لا يلزمنا، ونقص حاد فيما يلزمنا، وعندما ارادت وزراة التربية ان تصوب الأمر، خرجت علينا بأفكار تعالج الطرف البعيد وتحاول أن تصلح العرض الذي هو من اسباب المرض وليس المرض، وتعرض عن اصل المشكلة، اصل المشكلة هو في الجامعة وما يتخرج منها.
وفي العدالة في توظيف الكفاءات واتاحة الفرصة لها، فعندما يستطيع شخص ما تعيين اي شخص يخصه في أي من المواقع التي تحتاج شهادة دقيقة او كفاءة مشهود لها، يحدث ان يدخل الإستاذ الذي يعرف طلابه ليرى أن فلان الذي هو يعرفه جيدا هو الطبيب المسؤول، وعندما يعرض هذا خدماته على استاذه، يبادره الإستاذ الذي لا ولن يجامل في شؤونه الصحية، اذهب وإتني بطبيب حقيقي، نعم هو تجاوز كل المراحل، ونال الشهادة كما نعلم جميعا، ولكنه لم يدرك الحقيقة ولم يستطع ان يكون حقيقيا هو فقط صورة عن تلك الحقيقة، ولكن من هم السبب في هذه الظاهرة، ولماذا حدثت، نعم قد يتوجه ولي الأمر المحتاج إلى التخصصات المهنية لأن البديل غير متاح، ولكن من يقدر فلا، سيجد وسيلة يحتال فيها على الأمر.
والوزارة من جهة أخرى عالقة مع حوالي أربعة ألاف مؤسسة تربوية خاصة، تراها عبئا عليها، وتحاول بشتى السبل التضيق عليها وازعاجها، فلا هي قدمت ما يريد المواطن، ولا إستطاعت ان تدير ما أراده السوق من مؤسسات تربوية، رغم وجود تشوهات كبيرة في المؤسسات الخاصة هنا، فلا هي خضعت لتصنيف حقيقي، ولا لعمل مؤسسي لمساعدة هذه المؤسسات على رفع مستواها وتحسين خدماتها، وضبط جودتها، و رفع سويتها، وتحقيق العدالة المنشودة لجميع الأطراف من الطالب والمدرسة وولي الأمر، وتركت الجميع عالق هنا، بل وتبتكر كل يوم وسائل وأساليب لا تخطر على بال، فمرة ترفع السعة الصفية إلى ثمانية وستين مترا لثمانية وعشرين طالبا بحد أقصى، ومرة تزيد مساحات المختبرات والساحات الخارجية، ومرة تفرض لجان ضبط الجودة على الروضات، علما بأن روضات القطاع الخاص معروف ما هي، وروضات القطاع العام معروف ما هي، وهنا يريد موظف لم يحقق النجاح في مؤسسته، إزعاج مؤسسة خاصة حققت النجاح والرضي القبول عند الزبون.
وتنادت أصوات صادقة تربوية ومهتمة بالشأن التربوي لإستدراك السلبيات في ملف المنهاج والتعليم والثانوية العامة، واخرى نادت بأن يتم تخصيص هيئة او وزراة للقطاع التعليمي الخاص، والتي تتجاوز الاربعة آلاف مؤسسة، وفصلها عن وزراة تضيق عليهم وتنغص عليهم حياتهم، وما تأتي به من وسائل وحلول، يرفع الكلف على الجميع، ولا يحصل حقوقا ولا يرفع مستوى التعليم ولا يحقق اهدافه، والثقب يتسع على الراقع.
فكما ان هناك وزراء لا يجلسون في وزارتهم وهم في عمل دؤوب وجهد متصل، للوصول بقطاع هو مسؤول عنه إلى أفضل مستوى، وهؤلاء مثل وزير الزراعية والداخلية وغيرهم ترفع لهم القبعات، فهناك وزراء لم نرى منهم إلا ما يزيد الهموم على المواطن والوطن وقطاعاته الخاصة والعامة.
إبراهيم ابو حويله