نبض البلد -
حاتم النعيمات
منذ أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط عام 2022، والعالم يشهد سلسلة من التحولات والصراعات المتلاحقة. فقد تجاوزت تداعيات هذه الحرب حدود أوروبا، لتترك بصماتها واضحة في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، حاملة معها توترات جديدة ومعادلات متغيرة في أكثر من ساحة.
إذا قرأنا ما يحدث بمعيار مَن استفاد ومَن خسر، سنكتشف أن آثار هذه الحرب تسببت بالكثير من الأحداث، وخصوصًا ما جرى في الشرق الأوسط، حيث نشأ نزاع غير مباشر بين إسرائيل وإيران عبر الوكلاء، صراع كانت نتائجه محسومة مسبقًا لذلك كان من الصعب تفسيره إلا تحت عنوان زيادة توريد الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل لتقليل الدعم العسكري الموجه لأوكرانيا، وعلى مستوى أقل تخلُّص إيران من وكلائها بدفعهم إلى التهلكة لتحسين شروط تفاوضها مع أمريكا.
الثابت التاريخي في العلاقة الروسية-الأمريكية يتمثل في استحالة المواجهة المباشرة بينهما مهما حصل، بالتالي، فإن الصراع بين هاتين الدولتين يكون عادةً عبر وكلاء أو دول من الصف الثاني والثالث. لذا، فإن شكل العلاقة بين روسيا وأمريكا سيؤثر بعمق على العلاقات والصراعات بين الدول الأخرى.
اليوم، هناك أخبار شبه مؤكدة عن اجتماع قمة سيعقد بين بوتين وترامب في المستقبل القريب، وهناك حديث عن سلام في أوكرانيا، وهذه الإشارات تأتي على ما يبدو ضمن استراتيجية إنهاء الصراعات التي تبنّاها ترامب منذ حملته الانتخابية. هذا الاجتماع مهم (إن عُقد)؛ لأنه يعني على الأغلب نزع فتيل صراع عميق اتّسع أثره غير المباشر بشكل كبير.
انسجام العلاقات الروسية الأمريكية مهم جدًا للعالم، ويبدو أن ترامب يمثل عنصرًا مهمًا في هذا الانسجام، لأن الروس يفضلون ترامب وقد انكشف ذلك في عدة مواقف ومناسبات عن طريق تصريحات صدرت عن عدة مسؤولين حيث أبدو ارتياحًا لانتخابه رئيسًا للولايات المتحدة لمرة ثانية قبل أشهر، ناهيك عن شبهة تدخلهم لصالح ترامب في عملية الاقتراع خلال انتخابات 2016 والتي أدت حسب خصوم ترامب إلى فوزه بالانتخابات. باختصار فالرئيسين متوافقين إلى حد غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين.
فكرة إشعال الحروب لتحقيق مصالح الآخرين أصبحت مكشوفة اليوم، فلقد واجهت منطقتنا تجربة مكثّفة من حروب الوكلاء خسرنا بسببها دولًا مهمة وملايين الضحايا، ورغم أن المنطقة تتخلص شيئًا فشيئًا من هؤلاء الوكلاء، إلا أن الذهنية العامة لأبناء هذه المنطقة قادرة -للأسف- على إعادة إنتاج نفس السيناريو بسهولة.
الأردن يملك خيارًا مهمًا عبر أوروبا سيسمح له أن يستفيد من تغيرات علاقة روسيا وأمريكا (سواء إيجابية أم سلبية)؛ فأوروبا تحاول اليوم إعادة برمجة علاقتها مع الولايات المتحدة ومع روسيا على حدٍ سواء، خصوصًا بعد أن اتضح لها بأن إدارة بايدن ورطتها في العداء مع روسيا بشكل مبالغ به ومتناقض مع مصالحها إلى حدٍ كبير كشفته النتائج؛ لذلك تتصرف أوروبا اليوم وبقيادة فرنسا بنزعة تمرُّد على علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وبمحاولة خوض المعركة مع روسيا دون الاعتماد على أمريكا. وهذا الانزياح الأوروبي تجلّى مؤخرًا بعد أن تخلى ترامب عن المساعدات العسكرية لأوكرانيا بشكل كامل وبعد فرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية، هنا يستطيع الأردن أن يستخدم علاقته مع أوروبا كحماية من أعراض أي اعتلال في علاقة واشنطن وموسكو.
إذن يمكن للأردن أن يستفيد من هذا التوافق الأمريكي الروسي، ويمكن أيضًا أن يقترب من أوروبا في حال عدم توافقهما كما ذكرت سابقًا؛ إذ لا يمكن فصل الأوضاع في فلسطين وسوريا والعراق عن توازنات العلاقة الروسية-الأمريكية؛ فإيران وكيلة روسيا، وإسرائيل وكيلة أمريكا تمثلان اللاعبان الأساسيان في الصراع القائم في المنطقة، لا سيما في الدول الثلاث الحدودية مع الأردن.