التمسّك بحق العودة مقابل مشروع التهجير: رد الصاع بصاعين!

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من الواضح أن حرب التصريحات التي تشنها الحكومة الإسرائيلية ضد الأردن لن تنتهي طالما بقي اليمين المتطرف في السلطة، فقد صرح الكثير من المسؤولين عن مشروع التهجير، وعن وهم إسرائيل الكبرى، وخرافة السيطرة على الأردن وكأنه لقمة سائغة وليس دولة مستقرة وعُمر نظامها السياسي الحالي 104 سنوات.

آخر تصريح تحت نفس العنوان كان لوزير الاتصالات الإسرائيلي الذي عبّر فيه عن أطماعه بالسيادة على الأردن وفلسطين، وردت وزارة الخارجية الأردنية على هذا الهذيان السياسي بالاستنكار وإدانة التصريحات، وهذا كافٍ باعتقادي، لأنه ببساطة يأتي ضمن "ضرورة الرد" على تصريحات رسمية من عضو في حكومة دولة أخرى، وليس من باب اعتبار هذه التصريحات تهديدًا حقيقيًا.

من الواضح أن معظم التصريحات التي أطلقها أعضاء في الحكومة الإسرائيلية تحت هذا العنوان تدخل في سياق مغازلة اليمين المتطرف لأغراض انتخابية، فالانتخابات التشريعية ستُجرى بعد ما يقارب السنة من الآن، وبالتالي فلا بد من تصريحات بهلوانية لإشعال عواطف المتدينين في إسرائيل وهم قوة تصويتية كبيرة بالمناسبة، وهذا الأمر تدركه السياسة الخارجية الأردنية.

من الناحية الجغرافية، لا يوجد تعريف موحَّد متفق عليه داخل إسرائيل لأي مشروع توسع؛ فبعض التفسيرات الدينية التقليدية تعتبر أن حدود "إسرائيل الكبرى” تمتد من نهر النيل غربًا إلى نهر الفرات شرقًا (وفقًا لنصوص في سفر التكوين)، بينما التيارات القومية–الصهيونية حددتها بالأراضي الواقعة تحت الانتداب البريطاني على فلسطين، وأحيانًا تشمل شرق الأردن، أو أجزاء من لبنان وسيناء والجولان. في المقابل فإن هذه النزعة التوسعية مرفوضة من معظم التيارات اليسارية والوسطية باعتبارها خطرًا على الطابع الديموغرافي لإسرائيل.
القصد مما سبق هو إعطاء الأمور حجمها بعيدًا عن تضخيمها أو التقليل من شأنها.

في المقابل، كان مجمل التعامل الأردني منطقيًا، حيث بدأ بتصريح مقابل تصريح عبر قنوات مختلفة، بالتزامن مع المشاركة في القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، ومن ثم دعم ومشاركة في مؤتمر تنفيذ حل الدولتين الذي عُقد في نيويورك، وصولًا إلى إعادة الخدمة العسكرية الإجبارية (خدمة العلم)، وأخيرًا، اجتماع مهم لقيادات من المخيمات الفلسطينية في الديوان الملكي للتأكيد على حق العودة إلى فلسطين لجميع الأجيال.

التمسّك بحق العودة من قبل الدولة الأردنية والفعاليات الشعبية في البلاد هو رد للصاع بصاعين على السلوك الإسرائيلي، طالما أننا ما زلنا في مرحلة التصريحات. فالتأكيد على هذا الحق الأصيل للأشقاء الفلسطينيين يعني أنك لا ترفض التهجير والتوطين فحسب، بل وتسعى إلى عودة أصحاب الحق إلى وطنهم. وهذا يترجم في إسرائيل بمعنى أن الأردن تجاوز مرحلة رفض التهجير والتوطين ووصل إلى مرحلة السعي إلى تنفيذ العكس.

الغريب أن بعض التيارات التوطينية التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية إلى الأردن تحت عنوان الكنفدرالية (أو التهجير القانوني) انزعجت من رسالة الدولة الأردنية التي تؤكد على حق العودة، وبدأت باستخدام الأبعاد الاجتماعية والعاطفية ضدها، على أساس أنها غير واقعية (كما يشيعون) وتدعو إلى التمييز(!!).

وهؤلاء يتناسون أن الجمعية العامة أكدت هذا الحق بالقرار 194، وتكرر هذا التأكيد في أكثر من 130 مرة عبر قرارات ذات صلة، واعتُبر حق العودة حقًا فرديًا وجماعيًا غير قابل للتصرف، بمعنى لا يمكن التنازل عنه لا من منظمة التحرير ولا أي جهة أخرى، وهذا يعني بطبيعة الحال أن الأردن أيضًا لا يملك الصلاحيات بإلغائه مهما كان.

بقي أن أقول إن علينا كأردنيين أن ندعم توجهات الدولة في تثبيت هذا الحق، لأنه في المحصلة حق أممي لكل فلسطيني فقد أرضه بالاحتلال، ومشروع مناهض لمشروع التهجير الذي يحاول الإسرائيلي فرضه. ولا بد في هذه المرحلة الحساسة أن ندرك حقيقة أن الدولة الفلسطينية وحق العودة تمثل خطوطًا حمراء في السياسة الأردنية، وقد أكد جلالة الملك في لاءاته الثلاثة على ذلك بشكل واضح لا يحتمل التأويل.