نحو مجلس وزراء مجنون (الجزء الثاني)

نبض البلد -
نحو مجلس وزراء مجنون (الجزء الثاني)
صالح سليم الحموري

قد أكون ندمت على مقالي السابق حين سمعت بعض الأخبار، فأنا لا أدّعي فهمًا عميقًا في السياسة. لكنني – مثل غيري – لا أستطيع أن أبقى صامتًا أمام التصريحات الإسرائيلية المليئة بالاستفزاز والغرور و"الأحلام التوسعية".
التاريخ لا يتذكر المجالس الرتيبة، ولا الطاولات البنية الثقيلة التي يغطيها غبار البيروقراطية. بل يتذكر المجالس التي امتلكت جرأة "الجنون الخلّاق": تلك التي كسرت النمط، وتجرأت على التفكير خارج الأرشيف، وصاغت مستقبلها بدل أن تُساق إليه.
اليوم لم يعد يكفي أن نرد على "وقاحة تل أبيب" ببيانات إدانة أو عبارات تحفظ ماء الوجه. الرد الحقيقي لا يكون بالكلمات، بل بقدرة مؤسساتنا على أن تتحول إلى مختبرات للاستشراف والابتكار، منصات تُنتج خطابات استباقية ومشاريع قوة ناعمة وصلبة معًا. نحن بحاجة إلى جرأة سياسية واقتصادية، لا تتوقف عند حدود الدفاع، بل تتقدّم إلى صناعة المبادرة، وإعادة تعريف قواعد اللعبة، نحن بحاجة إلى مجلس وزراء مجنون:
مجنون لا بالتهور، بل بالخيال.
مجنون لا بالفوضى، بل بالقدرة على كسر القيود القديمة.
مجنون يجرؤ على إعادة اختراع الدولة كما فعلت شعوب سبقتنا.
مجلس كهذا لا يجلس وزراؤه ليجترّوا لغة الماضي، بل يتنافسون على من يقدّم رؤية أعمق للمستقبل. لا يكتفون بإدارة الأزمة، بل يصنعون فرصًا من قلب التحديات. لا ينتظرون أن تفرض الأزمات أجندتها عليهم، بل يسبقونها بخطوتين.
في مواجهة الاحتلال، نحن لا نحتاج إلى وزراء يكررون خطاب الشجب والاستنكار، بل إلى وزراء يشعلون فينا "الثقة" بأن الأردن والعرب قادرون على رسم مستقبلهم بأدوات القوة الناعمة والصلبة معًا: بالاقتصاد، بالعلم، بالتكنولوجيا، وبالخيال السياسي.
مجلس وزراء مجنون يعني أن نتحرر من أسر البيروقراطية البطيئة إلى فضاء القرارات السريعة، أن ننتقل من عقلية الموظف إلى عقلية القائد، ومن رد الفعل إلى المبادرة.
لقد ملّ الناس من العقلانية الباردة التي لا تُسمن ولا تُغني.
إنها لحظة "الجنون الخلّاق": أن نمتلك وزراء لا يخشون الخطأ، بل يخشون الجمود في مكانهم بينما الزمن يركض من حولهم.
هذا هو الرد الحقيقي على تصريحات الاحتلال.
ترى أيمن الصفدي نموذج لسياسي شرس يعرف أن طريق "الجنون الخلّاق" هو السبيل الوحيد لمواجهة وقاحة الاحتلال، ولكننا لا نريد وزيرًا منفردًا فقط… بل نريد مجلسًا كاملًا، مع رئيسه، يحذو ذات الطريق.
فالمستقبل لا يُهزم بالبيانات الجاهزة، ولا بالردود التقليدية، بل يُصاغ بقرارات استباقية، وبمجالس تمتلك شجاعة تحويل الأزمات إلى فرص.