نبض البلد -
حاتم النعيمات
الجُملة السياسية في الأردن ليست سهلة كما يعتقد البعض، بل هي قائمة على الاتّزان الخارجي المحفوف بتقلبات المنطقة، والاتّزان الداخلي المُكلف الذي تفرضه التركيبة السياسية داخل البلاد.
فالأردن يجب أن يوازن بين صورته كدولة ديموقراطية مستقرة لها احترامها في الغرب، مع موجبات التعامل مع الوضع المحيط به وتبعاته الداخلية، وهنا يكمن سر هذا الإتزان، فالصورة الديموقراطية هي التي تمنحنا القدرة على تنفيذ البعد الدولي من مصالحنا، وفي نفس الوقت يفرض التعامل مع المنطقة والداخل ما قد يهز هذه الصورة أمام الغرب!
المحافظة على"اتّزانين" مرتبطين ببعضهما هو سر بقاء هذا البلد مستقراً طوال ١٠٤ سنوات، لذلك تكثر الثوابت في السياسة الأردنية، وتضطر الدولة أحيانًا لمنع بعض الأفعال السياسية بسبب إدراكها العميق لحساسية المعادلة، ومن جانب آخر، تتسبب كثرة الثوابت هذه بكثرة النَّقد وارتفاع منسوب الغضب من قبل كل من يسعى إلى التغيير؛ فالبعض يعتقد أنها ثوابت ناتجة عن عدم رغبة بالتجديد أو عن رغبة بالتضييق على الحريات، والصحيح من وجهة نظري أنها ثوابت مشتقة من أمر واقع تمرست عليه الدولة الأردنية وفهمها السياسي الأردني بدقة.
إذن فالاتّزان جوهر السياسة الأردنية وهو بالمناسبة لا يعني الخنوع لأي طرف خارجي أو داخلي، بل هو اتزان قوة وليس استرضاء كما يعتقد البعض، وقد ثبت ذلك من خلال موقف الدولة الأردنية المتقدم فيما يخص العدوان على غزة ورفض التهجير وتقديم الدعم السياسي والإنساني بما يتنافى مع الطموح الإسرائيلي، إضافة إلى رفض صفقة القرن، والتعامل مع الوضع في سوريا من منطلق مناهض لمخططات إسرائيل في الجنوب.
ولنتذكر جيدًا أن الأردن استطاع أن يغير التصور الأوروبي للقضية الفلسطينية عبر سنوات من العمل الديبلوماسي خصوصًا خلال العامين الأخيرين، وتمكن بذكاء من توثيق علاقاته مع حلف الناتو الذي أفتتح مكتبه في عمّان مؤخرًا، ولو كانت معادلة العلاقات الأردنية لا تعتمد على التوازنات لما تزامنت هذه التحالفات مع القطيعة الديبلوماسية مع إسرائيل الطفلة المدللة للغرب.
وقد يقول البعض إن ما هو فوق الطاولة مختلف عن ماهو تحتها، وهذا صحيح، لكن النتائج العملية تعفينا من البحث في الخفايا والأسرار، فهذا هو الأردن الذي منع إسرائيل من استخدام أجوائه لضرب إيران رغم أنها كانت تحرّض عليه تحت شعار "الأردن لن يكون ساحة حرب لأحد".
الخلاصة أن السياسية الأردنية لا تخضع لنظام (صفر، واحد) بل هل طيف من التوازنات التي قد يُذهَل بعض المحللين أمامها، لاحتوائها على مساحات كبيرة من سوء الفهم الناتجة من المحافظة على التوازنات، وهذا بدوره يُنتج صعوبات جمّة في توضيح المواقف تؤدي لوصول التحريض والإشاعة والاتهامية إلى الرأي العام الأردني.
المهم أن يتم استغلال هذه المعادلة الذهبية في تسريع وتيرة البناء والتنمية، وتطوير السلوك السياسي من متلقي إلى فاعل بشكل تدريجي يحافظ على هذا التوازن.