حاتم النعيمات
تقع المنطقة E1 بين الجزء الشرقي من القدس القدس ومستوطنة "معاليه أدوميم”، وهي عبارة عن مساحة صغيرة لا تتجاوز 12 كلم مربع، وتسعى إسرائيل منذ التسعينيات إلى خلق واقع استيطاني فيها لإستكمال الضغط الديموغرافي على الفلسطينيين من خلال محاصرة تجمعاتهم وقراهم وتعطيل حياتهم، لكن مشروعE1 له أهمية جغرافية خاصة أيضًا، فهو يفصل بين جنوب الضفة وشمالها، ويزيد من عزلة القدس. ومع أن المشروع أوقف بضغوط من واشنطن والاتحاد الأوروبي ودول كثيرة، إلا أن الأحداث الأخيرة في المنطقة أعادته إلى الواجهة.
المشروع يسعى أيضًا لتوسيع القدس الشرقية عبر الاتصال الجغرافي مع مستوطنة "معاليه أدوميم”، وتكريس مفهوم "القدس الكبرى”، وهو المفهوم الذي تروّج له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كأمر واقع لا يمكن التراجع عنه.
مؤخرًا، حاولت إسرائيل استخدام الاستيطان والضّم في الضفة الغربية كذخيرة للرد على أي خطوة دولية تسعى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد عبرت تل أبيب عن ذلك علنيًا عبر تصريح لوزير خارجيتها في شهر أيار الماضي حيث قال: إن أي اعتراف بالدولة الفلسطينية سيقابله ضم لأجزاء من الضفة الغربية. أي أن إسرائيل تثبت قواعد جديدة لمواجهة العالم الغاضب من سلوكها وتمردها على القانون والأعراف الدولية في غزة وغيرها. وبما أن المشروع E1 يعتبر ذروة سنام خطر الاستيطان، فمن المتوقع أن تستخدمه إسرائيل مرحلة متقدمة من الضغط الدولي.
المُلفت أن الردود إسرائيلية على الحراك الدولي لحل الدولتين جاءت بشكل تدريجي، أو بما هو أقرب إلى نظام خطوة مقابل خطوة، وفي هذا -باعتقادي- دلالة على أن تل أبيب لا ترغب بحرق سفنها في التفاوض المستقبلي المتوقع؛ فرغم أن الظرف الحالي يعتبر من أفضل الظروف التي مرّت على إسرائيل لإتمام مشروع قضم أكبر جزء ممكن من الضفة الغربية فقد تجاوزت الحكومة اليمينية الحالية كل السقوف إلا أنها اكتفت بمجرد "توصية" من الكنيست كرد على مؤتمر نيويورك. بلغة أخرى، لن تكون قضية بناء المستوطنةE1 أكثر كارثية أمام العالم من قتل عشرات الآلاف في غزة والتهديد جهارًا نهارًا بتهجير سكانها.
بتصوري أن إسرائيل قد تسعى باستخدام ورقة E1 إلى تحقيق استراتيجيتين: الأولى، قصيرة المدى، وتتمثل في مشاغلة الحراك الدولي الحالي الهادف للاعتراف بالدولة الفلسطينية بغض النظر عن الأرض، والثانية، طويلة المدى، وتتمثل في تحسين شروط التفاوض المتوقع أن يبدأ بعيد انتهاء حقبة اليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب، حيث تتصاعد في إسرائيل تيارات تدعو إلى مراجعة شاملة لما حدث منذ بداية عصر هذا اليمين، على أثر حرب واسعة غير مسبوقة يُعتقد أن فيها جزءًا مفتعلًا لصالح أهداف شخصية لسياسيين ومتنفذين. لذلك، قد يعتقد بعض السياسيين في تل أبيب أن المشروع E1 سيكون سلاحًا واخزًا سريع الأثر، سيمنع أي تحركات مضادة.
أعتقد أن الخطورة لا تكمن في تغيير الجغرافيا، فهذه مسألة تحسمها القوانين والاعترافات الدولية، بل تكمن في التضييق على الديموغرافيا؛ فمثلًا، يرى تحليل صادر عن المجلس الأمريكي لسياسة الشرق الأوسط (MEPC)، إن تنفيذ مخطط E1 يتطلب إخلاء التجمعات البدوية الفلسطينية من المنطقة، وأبرزها تجمع "الخان الأحمر”، الذي يقع في منطقة تعرف باسم "بادية القدس" وتحديدا على الطريق الواصل بين القدس وأريحا، وهو قريب من مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار، وهذا مثال آخر على الضغط الديموغرافي يضاف إلى المضايقات اليومية.
الأردن معني بأي تغيير للواقع في الضفة الغربية والقدس، خصوصًا مع مثل هذا المشروع الدقيق، وذلك لسببين: الأول، أن الموصلية الديموغرافية بين الأردن والضفة عالية جدًا، بالتالي فإن أي ضغط على السكان في الضفة سيظهر أثره السلبي على مقدار مقاومتنا لمشاريع التهجير والتوطين، والثاني، أن المشروع E1 سيؤثر على التوازن في القدس، بالتالي على الوصاية الهاشمية على المقدسات التي تعتبر الوصاية إرثًا هاشميًا أردنيًا أصيلًا من جهة، وأداة ميدانية تزيد قدرتنا على الحركة السياسية داخل المدينة والضفة الغربية من جهة أخرى.
الجديد أن الخارطة السياسية الأردنية تتعافى اليوم من أمراضٍ لازمتها لسنين، أهمها مرض الارتباط بالخارج، ويتزامن ذلك خارجيًا مع ظهور الأردن كقوة ديبلوماسية هائلة ومع صمود مصري معتبر في وجه الحملات والضغط، واستثمارات خليجية في عمق الاقتصاد الأمريكي والتي بدأت تتحول إلى قوة ضغط على القرار الأمريكي، وتوِّج ذلك كله بمؤتمر نيويورك الذي دعا صراحة لتنفيذ حل الدولتين.
في النهاية، فإن تكدس التوجهات الرافضة للسلوك الإسرائيلي هو الأساس في تردد نتنياهو في استغلال الظرف وتنفيذ مشاريع الضم ومنها E1، والدافع الأهم لاعتماده سياسة التدريج في الرد لإبقاء مخرج الطواريء مفتوحًا على ساحة مفاوضات الدولة الفلسطينة، لكن يبقى ارتباط التغيُّر الديموغرافي بالزمن والمماطلة الإسرائيلية هو الأخطر وهو ما يقلق الأردن ويستدعي منه التحرّك بسرعة، لأن التغيرات الديموغرافية تترسخ مع الزمن لأنها خاضعة لقواعد نمو المجتمعات، أما الجغرافيا فهي باعتقادي أسهل ما يمكن استرداده في المستقبل لأنها ثابتة لا تتغير.