د. أيوب أبودية

هل نتعلم من أسوأ سنة في تاريخ البشرية الحديث؟

نبض البلد -

د. أيوب أبودية

يصف المؤرخون عام536 ميلاديةبأنه "أسوأ سنة عاشها الإنسان على الإطلاق"، ربما بعد كارثة بركان فيزوف في إيطاليا والذي طمر مدينة بأكملها تحت الرماد عام 79 بعد الميلاد، حيث شهدت الكرة الأرضية تغيرات بيئية كارثية أدّت إلى مجاعات، انهيارات اقتصادية، واضطرابات اجتماعية واسعة النطاق. فما الذي حدث في ذلك العام؟ وما علاقة بركان آيسلندا بذلك؟ والأهم: هل يمكن أن يتكرر مثل هذا السيناريو في عصرنا الحديث؟

بحسب المؤرخ البيزنطيبروكوبيوس، شهدت الإمبراطورية الرومانية في عام 536 "شمسًا بلا إشراق"، إذ بقيت السماء ملبدة بالغيوم و"الشمس تشع كما لو كانت قمرًا"، لمدة تقارب18 شهرًا. ولم يكن هذا حدثًا محليًا، بل سُجلت ظاهرة الظلام النهاري والبرد المفاجئ في أوروبا، الشرق الأوسط، الصين، وأمريكا الوسطى.

وأكدت أبحاث حديثة أن السبب المحتمل كانثوران بركاني ضخم في آيسلنداأو في مكان آخر من نصف الكرة الشمالي. فقد قذف هذا البركان كميات هائلة منالرماد والكبريتإلى الغلاف الجوي العلوي، مما أدى إلى تكوّن غيوم كبريتية عاكسة حجبت ضوء الشمس، وخفّضت درجة حرارة الأرض بمعدل2.5 درجة مئوية.

هذا التبريد المفاجئ أدى إلى ما يُعرف بـ"الشتاء البركاني". وتبع ذلك سنوات من ضعف المحاصيل الزراعية، ومجاعات، واضطرابات واسعة، من بينها:

فشل مواسم الزراعة في أوروبا والشرق الأدنى.

مجاعة قاتلة في الصين تسببت في أكل الناس للأعشاب والجلود.

تفشيالطاعونفي عام 541، المعروف بـ"طاعون جستنيان"، والذي قتل عشرات الملايين.

ركود اقتصادي وكساد عالمي، بحسب دراسات حلقات الأشجار ومصادر أثرية.

فهل تكرر هذا الحدث في التاريخ؟

نعم، وإن لم يكن بنفس القوة، فقد شهد العالم حالات أخرى من "الشتاء البركاني"، منها:

عام 1815: ثوران بركانتامبورافي إندونيسيا، وتسبب في "سنة بلا صيف" عام 1816، حيث انخفضت درجات الحرارة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وانهارت الزراعة، واندلعت أعمال شغب غذائية.

ثم تبعها ثورات بركانية أخرىمثلكراكاتوا (1883 )وبيناتوبو (1991)أثرت مؤقتًا على المناخ، لكنها لم تصل إلى مستوى كارثة 536.

فما هي الدروس المستقاة للعصر الحديث؟

في عصر التغير المناخي والصراعات البيئية، يحمل حدث 536 دروسًا عميقة، كالتالي:

هشاشة الحضارات: الكوارث الطبيعية قد تضرب فجأة وتكشف ضعف البنية الاقتصادية والزراعية، مهما بدت متقدمة.

أهمية الرصد المبكر: في عصرنا، نستطيع عبر الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار التنبؤ بالانفجارات الكبرى والحد من آثارها.

التعاون الدولي: المجاعة والأوبئة لا تعترف بالحدود، والاستجابة العالمية المشتركة ضرورية لمواجهة الكوارث.

أهمية تخزين الغذاء وتنويع مصادر الطاقة: الاعتماد على الزراعة الموسمية فقط يجعل المجتمعات عرضة للخطر.

هل قد يتكرر ذلك الحدث اليوم؟

الجواب هو: نعم. الأرض ما زالت نشطة بركانيًا، وهناك عشرات البراكين القادرة على إحداث تغيرات مناخية مفاجئة. وإذا تزامن ذلك مع هشاشة في سلاسل الإمداد العالمية، ونزاعات سياسية، فقد تكون النتائج وخيمة. لكن الفرق أن لدينا اليوم العلم، والتكنولوجيا، والزراعة المستدامة، والقدرة على التخطيط المسبق، والذكاء الاصطناعي، وهذا ما يجب أن نستخدمه لتجنب تكرار الكارثة.

فسنة 536 كانت تذكيرًا صارخًا بمدى اعتماد الحضارات على استقرار المناخ. وإذا أردنا تجنب مصير مماثل، فعلينا أن نستثمر في العلم، ونتعاون عالميًا، ونستعد دائمًا لأسوأ السيناريوهات، لا سيما مع تزايد المخاطر المناخية والحروب في عصرنا. فهل نحن مستعدون؟