الإقتصاد الوطني، خلف كل مصيبة سبب.

نبض البلد -

تغلق مصانع ومنشأت تجارية وصناعية واقتصادية أبوابها، وتتعثر أخرى في تحصيل أموالها، ولا تستطيع ثالثة دفع رواتب عمالها، وترتفع الغرامات الضريبية والضمانية بشكل مجنون على أصحاب هذه المنشآت.

ثم يصرخ صوت إعلامي معروف، كيف لا تستطيعون تحصيل أموالكم، وهنا تصمت المنشآت، فخلف كل مصيبة سبب.

جدلية حقوق العمال بين الحق المستطاع والمأمول والمستحيل، هل استطاعت الرأسمالية المعولمة حفظ حقوق العمال، وحقوق الإنسان، أم هي قيم للتسويق العالمي فقط، ومن ينقل مصانعة وشركاته العابرة للحدود، إلى دول لا تضمن حقوق العمالة ولا الإنسان حتى، يشهد الموضوع تجاذبات كبيرة بين التشريعات وحقوق وسطوة رأسمال، رأسمال المال متحرك، ويبحث عن الفرص دائما، وهنا تفرض التوازنات والأرباح والفرص سطوتها، ولذلك نجد ان شركات ومصانع كبرى، فرت من امريكا إلى دول مثل بنغلادش والصين والمكسيك وفيتنام وغيرها، وحتى في الدول ذات الإقتصاديات الصغيرة، هناك حدّ معين لفرض سياسات اقتصادية مكلفة على هذه المنشأت. وهنا تظهر جدلية الملاذات العمالية والضريبية الآمنة، فقد تتحمل المنشأة الضرائب، إذا كانت العمالة الماهرة والبنية التحتية والموانىء متاحة ورخيصة. ولكنها لن تتحمل الإرتفاع في الطرفين، وهنا تفرض الجدوى الإقتصادية للمشروع كلمتها، والعائد على رأسمال يرجح الموقف.

الغرب يفرض اليوم عبر المؤسسات الدولية والإنسانية مجموعة من القوانين والمواثيق والحقوق والأعراف، ويسعى لحقوق في ظاهرها جيد، ولكن الغرب صدر الأخلاق وهرب من تكلفتها، ولا ننسى ما فعل الغرب في العالم، فهو سرق الإنسان من إفريقيا وإستعبده، وسرق المواد الخام من القارات الأخرى، وصنعها وإعاد بيعها بإسعار مضاعفة، ولم يبق ثروة ولا كنزا ولا مواد خام في البلاد التي احتلها.

هناك توازن بين مقومات المجتمع المختلفة، من المنشآت والعمالة والمستحقات الحكومية، تحقق العدالة لجميع الأطراف في الوطن، وهنا هل يجب ان نراعي المواطن وقدراته، ام هو خارج حسبة جميع الأطراف، هنا هل من الممكن تحقيق الفوز للجميع، ام تخرج بمعادلة العادلة في الفرص والمكاسب والتكاليف على الجميع. هناك لحظات تضغط بها جهة على الجهات الأخرى، ويبدأ الميزان في الميلان.

حفظ حق العامل، ولتغلق المنشآة ابوابها ويخسر الجميع:
ما تقوم به وزارة العمل في الفترة الأخيرة هو الضغط على منشآت الوطن، لتحقيق مكاسب للعمال، لا تستطيع هذه المنشآت تأمينها، والإستمرار في تقديمها، ما يخلق حالة معروفة في عالم الإقتصاد، وهنا تبدأ حلول من قبيل العقود في الباطن، او العقود المؤقتة والمرنة وغيرها في الظهور، وهذا يؤثر على فرص العمالة وتوفرها من جهة، ويؤثر على إيرادات الخزينة من جهة أخرى، وعندما يرتفع الضغط عن الحد المحتمل، هنا إما إن تغلق المنشأة اعمالها، أو تلجأ إلى نقل نشاطها إلى دولة أخرى، وهذا ما حدث عندما إرتفعت كلف الطاقة في الأردن سابقا.

النقابات أقلقت دولا وإقتصاديات وهزت عروشا:
هل من واجبنا تذكير وزارة العمل بأن المنشآت هي بيت العمال، وأن هدم البيت ينهي مسيرة العامل، وأن ما تسعى النقابات إليه ساهم في هدم إقتصاديات دول، بل حتى ضرب إستقرارها الإجتماعي والمالي، وأعادها قرونا إلى الوراء، هل يجب ان نذكرها بروسيا او فنزويلا وبوليفيا وبريطانيا والسترات الصفراء في فرنسا، وما فعلته النقابات في امريكا، وكيف أفلست صناعة السيارات، وإنتقلت صناعات وشركات أخرى مهمة خارج امريكا.

وزارة الصناعة والإستثمار وحفظ حقوق رأسمال المال:
وهنا تبرز جدلية أخرى، ونحن دولة مؤسسات منذ عقود، اين دور وزارة الصناعة والإستثمار، والتي تستنزف جزء ضخم من ميزانية الوطن لتحقق العدالة والأمان والتوازن، في ضبط تغول وزارة العمل والنقابات على منشآت الوطن، حقيقة ارفض بشكل مطلق الحقوق المكتسبة، والتشريعات الجامدة، والسعي لفرض الكلمة والسطوة بطريقة فوقية على منشآت الوطن، دون إستماع حقيقي ومراعاة حقيقية للمصالح العامة للجميع. الوطن فوق الجميع، ومصلحتهه هي الأهم، وهنا عندما يغيب الفهم الحقيقي للتقاطعات بين هذه الدوائر، ينهدم البيت فوق رأس الجميع.

هل نحبس مدينا، ام ندمر إقتصادا:
وتبرز جدلية ثالثة هي غياب حقيقي لحفظ حقوق المنشآت المالية الدائنة من قبل وزارة العدل، سواء في العلاقات البينية، او في العاملات الخارجية مع المواطن، وهذا خلق بيئة مناسبة لتكاثر تلك الفئة من الطفيلين الذين يعتاشون على هذا النوع من العفن، وحتى تلك الفئة التي تمتاز بالكسل والتراخي والتهوان في أداء الحقوق وجدت فرصتها. تستطيع ان توقف حبس المدين، ولكن إذا لم توجد فورا البديل، فهناك عواقب وخيمة على الكثير من المنشآت والعمالة والإقتصاد، وهنا تستطيع ان تعود إلى وزير الصناعة والتجارة لتسأله كم منشأة أغلقت ابوابها، وكم عامل خسر وظيفته، بسبب التعثر في تحصيل اموالها.

إبراهيم أبو حويله...