بين آسيا وأوروبا.. هل تفكر إسرائيل بالعودة إلى جغرافيتها الرياضية السابقة؟

نبض البلد -

الأنباط – ميناس بني ياسين
مع التطورات الإقليمية الأخيرة، والتغيرات التي فرضت نفسها على الخريطة السياسية، عاد إلى الواجهة تساؤل لم يُطرح منذ عقود: فهل تفكر إسرائيل في العودة إلى القارة الآسيوية رياضيًا؟
ورغم أن هذا التساؤل لم يصدر عن أي جهة رسمية، إلا أن تداوله مؤخرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي عقب الهدنة مع إيران واتساع رقعة المعاهدات السياسية والاقتصادية مع دول عربية، أعاد فتح ملف طال نسيانه.
تاريخيًا كانت "إسرائيل" عضوًا مؤسسًا في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC) منذ عام 1954، وشاركت بشكل رسمي ومباشر في كافة بطولاته حتى طردها عام 1974 وبرزت خلال تلك المرحلة في عدة مشاركات لافتة، أبرزها في كأس آسيا 1956 في هونغ كونغ حيث حصلت على المركز الثاني، وكأس آسيا 1960 في كوريا الجنوبية وحققت المركز الثالث، كما استضافت كأس آسيا عام 1964 وفازت به، ثم حصلت على المركز الثالث مجددًا في نسخة 1968 التي أُقيمت في إيران، وخلال تلك الفترة كانت إسرائيل تشارك أيضًا في تصفيات كأس العالم ضمن نطاق قارة آسيا وأحيانًا عبر تصفيات مشتركة مع أوقيانوسيا لقلة عدد الفرق في تلك الفترة.
لكن مع تصاعد الصراع العربي الإسرائيلي خاصة بعد حرب عام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، تصاعد الرفض السياسي والشعبي العربي والإسلامي لوجود إسرائيل في أي محفل رياضي قاري ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 التي شكّلت نقطة تحول سياسية إقليمية، وكان لها انعكاس مباشر على المشهد الرياضي.
ففي اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الآسيوي عام 1974، قادت دول مثل الكويت والعراق وباكستان حملة لطرد إسرائيل من الاتحاد، وتم التصويت بالأغلبية لصالح استبعادها رسميًا، لتفقد عضويتها في آسيا وتُصبح فعليًا دولة بلا قارة رياضية معترف بها في ذلك الوقت.
في أعقاب هذا الطرد لم يكن أمام إسرائيل خيارات كثيرة فلعبت مؤقتًا ضمن تصفيات أوقيانوسيا، ثم قُبلت كضيف في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) عام 1991، وأصبحت عضوًا كامل العضوية في 1994 ومنذ ذلك الحين تُنافس في التصفيات الأوروبية لكأس العالم وكأس أمم أوروبا (اليورو)، لكنها لم تنجح في التأهل لأي من البطولتين حتى اليوم.
وهنا يبرز تساؤل جديد هذه المرة بلغة الواقع، فهل تعاني إسرائيل فعليًا من صعوبة المنافسة في أوروبا؟ الجواب يبدو واضحًا من خلال الأرقام، فـأوروبا تضم أقوى منتخبات العالم فرنسا، ألمانيا، إنجلترا، إيطاليا، إسبانيا، والبرتغال، ما يجعل فرص إسرائيل للتأهل إلى البطولات الكبرى محدودة للغاية ومنذ انضمامها إلى UEFA، لم تحقق إسرائيل تأهلًا إلى أي نسخة من بطولة أمم أوروبا أو كأس العالم.
بالمقابل حين كانت تلعب في آسيا توّجت باللقب مرة، وبلغت النهائيات عدة مرات، ما يُشير إلى أن بيئة آسيا كانت رياضيًا أكثر قابلية للمنافسة والتأهل بالنسبة لها.
لكنّ "المعاناة" الإسرائيلية في أوروبا لا تقتصر على الجانب الفني، بل تشمل أحيانًا البيئة السياسية والجماهيرية فهناك مباريات أُقيمت دون جمهور أو في ملاعب مغلقة، بسبب احتجاجات أمنية أو رفض جماهيري للعب ضد الفرق الإسرائيلية، خاصة بعد الحروب على غزة كما واجهت الفرق الإسرائيلية احتجاجات جماهيرية مباشرة، ورفضًا لبعض الفرق أو الدول للعب داخل إسرائيل، رغم أن الاتحاد الأوروبي نفسه لا يزال يدعم عضويتها بشكل رسمي ومنتظم.
في عام 2025 وبعد الهدنة بين إسرائيل وإيران، ووسط تصاعد مشاريع السلام الإقليمي، أعادت "إسرائيل" تحريك ملفات دبلوماسية واقتصادية كبرى في المنطقة، كما تستمر في تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بعض دول الخليج، هذا الانفتاح السياسي غير المسبوق منذ عقود قد يُفسَّر بأنه بداية لمناخ أكثر قبولًا، وربما تمهيد لعودة رياضية محتملة إلى القارة الآسيوية.
من جهة أخرى بدأت تظهر مؤشرات خفيفة لتطبيع رياضي على الأرض، مثل توقيع بعض اللاعبين الإسرائيليين لعقود احترافية مع أندية عربية، ورغم أن هذه الحالات ما تزال محدودة وتثير الجدل، إلا أنها قد تُقرأ كمقدّمة لتقبّل رياضي أكبر على المدى المتوسط.
حتى اللحظة لا توجد أي نوايا مُعلنة من الجانب الإسرائيلي للتقدم بطلب العودة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC)، ولا مؤشرات رسمية من الاتحاد ذاته للبحث في هذا المسار لكن مع تطور الواقع السياسي، قد يُطرح الملف مستقبلًا ضمن سياق "الدبلوماسية الرياضية" كأداة جديدة لتعميق العلاقات بين إسرائيل والمنطقة، خصوصًا في ظل التحديات الرياضية الكبيرة التي تواجهها في أوروبا.
في المقابل يظل الرفض الشعبي العربي والإسلامي لعودة إسرائيل إلى آسيا كبيرًا، حتى في ظل وجود بعض أشكال التطبيع السياسي أو الاقتصادي مع عدد من الدول، فالموقف العام في معظم دول الاتحاد الآسيوي لا يزال ثابتًا تجاه عدم الاعتراف أو القبول بالوجود الإسرائيلي في المحافل القارية.
وبين تحولات السياسة، وتعقيدات الرياضة، يبقى السؤال معلقًا ما إذا كنا سنشهد خلال السنوات القادمة دبلوماسية رياضية جديدة تدفع إسرائيل للعودة إلى آسيا؟ أم تبقى في أوروبا رغم الصعوبات؟