كيف نشكر الحكومة، ولماذا؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من الواضح أن حكومة الدكتور جعفر حسان تقوم بإصلاحات "ذكية" في جميع الملفات التي كانت تعتبر "أزمات" في عرف الكثير من الحكومات السابقة، فاليوم نرى تحركات حكومية أعتقد أنها مرضية للرأي العام الأردني، مثل تخفيض الضريبة على السيارات بنسب ملموسة، وتأسيس شبكة نقل بين العاصمة والمحافظات، ورعاية توسعة شركة البرومين، وتوقيع عقد مشروع الناقل الوطني مطلع هذا العام، والتركيز على استغلال مخزون الغاز الموجود شرق البلاد، والكثير من الإجراءات العملية كالزيارات الميدانية وعقد جلسات حكومية في المحافظات، ورفع شعار الهوية الوطنية الأردنية دون مواربة أو تحايل.

من واجبنا كأردنيين أن نعزز أي عمل إيجابي تقوم به أي حكومة، فهذا جزء من الرقابة الشعبية أيضًا، لأن التعزيز يدفع المسؤولين إلى تحسين العمل مثلما يفعل النقد، فلا يوجد مسؤول مهما كان يستطيع أن يتخلى عن عنصر الرضا الشعبي في حساباته السياسية والشخصية. لذلك، لا بد من الإشادة بأي قرار إيجابي، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن تأخذ أي حكومة "شيك على بياض" لأن الرقابة لا تعني التصفيق ولا تعني الترصّد في المقابل. ما أقصده هو أن يكون هناك اتزان في تقييم الأداء الحكومي لأن هناك روح سياسية جديدة تبعث في الأردن لا بد لنا من التأسيس لأعرافها من الآن.


نحن نعيش مرحلة انتقالية في الأردن، فالخارطة السياسية تشهد تغيرات جذرية تتمثل في خروج تيارات "قديمة ومتجذرة" من المشهد بشكل شبه كامل، ونرى أيضًا عملية ولادة لأجسام سياسية بديلة متمثلة في الأحزاب الجديدة التي تبذل جهدًا كبيرًا لاستدراك نقاط ضعفها التي ظهرت بعد الانتخابات الأخيرة، ولدينا اليوم أيضًا جيل مميز من الشباب يؤمن بعمق بفكرة الهوية الوطنية الأردنية كأساس لنهضة الدولة ومواجهة المشاريع المتربصة. أما خارجيًا فلدينا منطقة تشهد تغيرات عميقة أهمها سقوط "المليشياوية" مع معظم متعلقاتها، بالنتيجة، بروز فكرة الدولة الوطنية كبديل بعد زوال التيارات التي كانت تتبنى الفكر العابر للحدود.

بصراحة، نحتاج في الأردن إلى نمط جديد من الرقابة الشعبية بعيد كل البعد عن النمط القديم، فالقادم لن يستوعب التخوين والتجييش وتكسير الدولة وتصغير أكتافها تحت مسمى معارضة، ولا يمكن أن نلحق بركب الدولة الوطنية التي ستسود مستقبلًا في المحيط إذا استمر توالد الأزمات التي تخلقها الأيدولوجيات التى عفا عليها الزمان. بشكل مباشر، إذا أردنا أن نكون عضوًا فاعلًا في المنطقة مستقبلًا فأعتقد جازمًا أن علينا أن نصبح قريبين من نمط الدول التي أنهت معاركها السياسية الداخلية وتفرغت للبناء.


حكومة الدكتور جعفر حسان تقوم بكل ذلك، وأقول هذا بكل جرأة مع علمي أن الثناء على الحكومات في الأردن يعتبر خطيئة، ولكني سأكون متصالحًا مع ما أراه أمامي كمواطن، ومع الواقع؛ ففي عهدها يتم استغلال تغيرات المنطقة والداخل في تحسين الخارطة السياسية الأردنية، وهي تثبت كل يوم أنها تدرك بعمق المشاكل الاقتصادية والإدارية وتتحرك كما هو مذكور في بداية هذا المقال.

لنبتعد عن حدية المديح والذم ولتكن هناك رقابة باتجاهين؛ اتجاه التعزيز واتجاه النقد البنّاء، فلم يكن هناك أي مبرر ولن يكون للدخول في معركة كسر العظم مع الحكومات حتى تستخدم المعارضة الهدّامة، ومعظمنا يدرك أن هذا دولة (الحكومة جزء منها) يحكمها الهاشميون منذ مئة وأربعة أعوام بالرحمة والعقلانية والرصانة، وقد أثبت هذا الحُكم أنه رشيد في عشرات المنعطفات والأزمات التي مرّت بنا.

لو قدّر لهذه الحكومة أن تستكمل ما بدأت به وما وعدت به فإن الكرة ستكون بعد ذلك في ملعبنا، حيث سيكون دورنا متمثلًا في: أولًا، البناء على ما أنجزته من مشاريع بنية تحتية (كالنقل والطاقة والخدمات) بتعزيز القطاع العام والاقتصاد المادي ملموس القادر على رفع اعتمادنا على ذاتنا، وهذا بالمناسبة يعزز قوتنا في جميع المجالات والصُّعد. ثانيًا، أخذ عملية الإصلاح السياسي بجدية بالانخراط بالعمل الحزبي لنحصل في المستقبل على مشهد سياسي طبيعي فيه الموالاة والمعارضة ولكن بمرجعية محلية وأهداف أردنية، وهذا سيكون الضامن لديمومة كل ما سبق.