نبض البلد - خلدون خالد الشقران
في الخامس والعشرين من أيار، لا يحيي الأردنيون فقط ذكرى الاستقلال… بل يكتبون من جديد ملحمة السيادة، والكرامة، والدور الذي تجاوز حدود الجغرافيا ليصبح بحجم أمة.
في مثل هذا اليوم من عام 1946، انتزع الأردن استقلاله، لا ببيان رسمي فحسب، بل بإرادة ملك وشعب آمن أن الوطن لا يُقاس بمساحته، بل بمكانته. واليوم، وبعد 79 عامًا، يثبت الأردن أن الدول العظيمة ليست تلك التي تملك الثروات الطائلة، بل التي تملك البوصلة الأخلاقية، وتدفع ثمن موقفها بثبات وشرف.
سيادة من نار… ودور من نور
في محيطٍ مضطرب، وخرائط تنهار وتُعاد رسمها، وقف الأردن ثابتًا، لا يتلوّن، ولا يساوم، ولا ينهار. ومنذ استقلاله، شكّل نموذجًا للدولة العاقلة، المعتدلة، التي تحترم نفسها قبل أن تطالب الآخرين باحترامها.
لم يكن استقلال الأردن مجرد وثيقة تُوقع، كان بداية لمسيرة لا تعرف الخضوع، ولا تتنازل عن ثوابتها. فحين صمت الكل، تكلم الأردن. وحين تفرقت المواقف، ظل موقفه ثابتًا: دعم الأشقاء، حماية القضية الفلسطينية، وإغاثة المنكوبين.
الأردن… الصوت الذي لا يعلو عليه صوت الضمير
في فلسطين، كان الأردن السند الأول، والمدافع الأول، والمرابط الأول. لم يساوم على القدس، ولم يرفع راية إلا راية الحق.
في سوريا، فتح حدوده واحتضن مئات الآلاف من اللاجئين، دون أن يبتز أحدًا، ودون أن يطلب شيئًا إلا السلام.
في العراق، كان الجار الأمين، والداعم في الشدة.
في اليمن، في لبنان، في ليبيا… كان الأردن كما عهدته أمته: دولة لا تتاجر بالدم، ولا تُناور على حساب الشعوب.
دولة تقودها رؤية لا نزوة
تحت قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، تحوّل الأردن إلى لاعب سياسي محترم في الإقليم والعالم. صوته مسموع في العواصم الكبرى، وتحركاته مدروسة، وقراراته سيادية بامتياز. لا يخضع لمحاور، ولا يُستخدم كورقة، بل يُعامل كدولة تحترم نفسها وتفرض احترامها.
وفي زمن الارتهانات الاقتصادية والسياسية، ظل الأردن متمسكًا باستقلال قراره، محاطًا بإكبار شعبي نادر، واحترام دولي متجدد.
عيد الاستقلال… لا نحتفل فقط، بل نُجدد العهد
عيد الاستقلال في الأردن ليس مناسبة للبروتوكولات والخُطب الرنانة، بل هو لحظة وطنية عميقة، يعيد فيها الأردنيون تعريف أنفسهم: نحن شعب لا يركع إلا لله، ولا يساوم على كرامته، ولا يسمح أن تكون كلمته مرهونة.
نحن الأردنيون، أبناء الثورة العربية الكبرى، وأحفاد الجيش العربي، وورثة الحسين، وجنود عبد الله الثاني.
أردن اليوم… رسالة في عالم بلا بوصلة
في عالم فقد كثيرًا من معاني الشرف والموقف، يثبت الأردن أنه لا يزال يحمل الراية. وطن بحجم جيش، وجيش بحجم أمة، وقيادة بحجم التاريخ.
عيد الاستقلال ليس مجرد ذكرى… هو تذكير بأن هذا الوطن لم يُبْنَ على صفقة، ولا على استعمار، بل على عرق الأردنيين، وعلى دم الشهداء، وعلى حلم لا يزال يكبر.
سيبقى الأردن، رغم ضيق موارده، أعظم من كل ما يُقال عنه. وسيبقى استقلاله علامة على أن السيادة لا تُشترى، وأن الوطن لا يُباع، وأن الدول العظيمة تُصنع من مواقفها، لا من أرصدتها.
كل عام والأردن سيد نفسه، ناصع كرامته، عزيز شعبه، وحارس أمته، تحت راية الهاشمي الأبي.