منتدون في "شومان": الترجمة تدعم التسامح والتعايش السلمي

نبض البلد -

عمان- شدد منتدون على ضرورة إنشاء هيئة وطنية مستقلة للترجمة تعيد حركة الترجمة والتعريب إلى مسارها وترتقي بها إلى آفاق جديدة.

وأكدوا في ندوة "الترجمة رسالة السلام"، التي نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس، بالتشارك مع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وتحدث فيها د. وليد السويركي، ود. جهاد حمدان، ود. حنان الفياض، أهمية الارتقاء بنوعية الترجمات في الوطن العربي، وبالتالي تهيئة المترجمين مهنيا وثقافيا وتقنيا لممارسة مهماتهم.

ولفت هؤلاء، في الندوة التي أدارها الإعلامي عامر الصمادي إلى أن حاجة الامة، أي أمة، إلى الترجمة، حاجة هامة واكيدة، خصوصًا في ظل اتساع مجالات التواصل بين الشعوب والأفراد على السواء، مع التنبيه على ضرورة إعادة الاعتبار للدور العربي في حركتي الترجمة والتعريب.

الرئيسة التنفيذية لـ"مؤسسة شومان" فالنتينا قسيسية بينت أن "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، تعد واحدة من المؤسسات المهمة المعنية بتقدير الترجمة والمترجمين، كسجر مهم يربط الثقافات، ويعزز العلاقات بين الأمم، وهي بهذا المعنى تفتح بابا للتفاهم بين أمم العالم، لقراءة العادات والتقاليد المختلفة".

وقالت قسيسية "جميعنا ندين للترجمة في جزء من تكويننا الفكري والثقافي، فتشعب المعرفة، وتنوع مصادرها يجعلها عملية غير مركزية، بل تساهم فيها الأمم بلغاتها، ما يؤدي بالتالي إلى صعوبة الاطلاع عليها إلا من خلال نقلها إلى لغاتنا الأم".

ولفتت قسيسية إلى أن مؤسسة شومان التي يتمحور عملها حول نشر المعرفة وتعزيز فرص التثقيف لدى جميع أفراد المجتمع بعدالة، تسعى على الدوام إلى بناء الشراكات المثمرة، مع مؤسسات تحمل هم المعرفة، وتسعى إلى نشرها".

من جهتها، أكدت أستاذة الأدب الحديث والمعاصر في جامعة قطر، وعضو الفريق الإعلامي بالجائزة د. امتنان الصمادي أن ما يميز جائزة الشيخ حمد للترجمة تركزها على حضور اللغة الأم في ذهن المترجم، كما أنها تفتح الباب واسعا على كل اللغات الأخرى لتظهر الفكر الإنساني على السطح وتنفتح على العام الاخر.

وبينت الصمادي أن الجائزة جاءت للتعرف على نتاجات الفكر الإنساني من خلال الاطلاع على ما أنتجته الحضارات في سبيل الارتقاء بالبشرية وإشاعة أجواء السلام في زمن سيطرة التغول المسلح وصراع الأقوى، مؤكدة أن "الترجمة هي نافذة الثقافة العربية على العالم؛ نتلمس من خلالها المعرفة".

وبحسبها، فإن اللغة تسهم في صنع الفكر وتحدد توجهاته وتؤثر في طبيعة النشاط الذي يمارسه الناطقون بها، وتظهر ردود أفعالهم وتواصلهم مع الآخرين ضمن السياقات العلمية والاجتماعية، كما أن اللغة تمثل وجودنا الإنساني وميدان حضورنا الجاد إذا ما أردنا أن نترك بصمة للعالم ومن العالم.

بدوره، لفت المترجم د. وليد السويركي إلى أن خطابات الترجمة، التي تتنوع تبعاً لمنظورات مختلفة، لغوية وثقافية وايديولوجية، أوجدت لدينا خطابا إنسانيا، ينصب على تبيان دور الترجمة ماضياً وحاضراً في التواصل الحضاري وتجسير الهوة بين الشعوب، مستدلاً على ذلك بالشواهد التاريخية الكثيرة".

وتابع "نحن نترجم، اليوم، في عالم تحكمه العولمة، وفي حقبة ما تزال تشهد آثار التجربة الاستعمارية الماضية، وأشكالاً جديدة من الهيمنة الثقافية والأيديولوجية والاقتصادية، حيث أن الترجمة ليست دائماً فعلاً تقنياً محايداً أو ممارسة لغوية محضة، وهي لا تحدث خارج السياق الثقافي والتاريخي، أو خارج علاقات القوة".

ونبه السويركي إلى أن للترجمة القدرة الكبيرة لأن تكون جسراً يسهم في الانفتاح على الآخر ويعزز قيم التسامح والتعايش السلمي ووسيلة لتجاوز الانغلاق على الذات والإفلات من فخ الهويات القاتلة، في عالم يغلي بالصراعات.

وتساءل السويركي حول كيفية الخروج من فخ التمركز على الذات في الترجمة، لافتا في هذا السياق إلى أن مواجهة تعدد اللغات وتنوعها واختلاف نظمها تمثل عائقاً أمام التواصل المباشر بين البشر، مؤكدا أن "ما من ترجمة كاملة ونهائية".

أما رئيس جمعية أساتذة اللغة الإنجليزية وآدابها والترجمة في الجامعات العربية، د. جهاد حمدان فقال إن "الترجمة نزهة ماتعة، ففي داخل كل منا مترجم نرضى عن أدائه حيناً، ونرانا نضطره لمراجعة مُنتجه حيناً آخر، فكل منا يقضي ساعات عديدة من يومه ينشئ نصوصا يُترجم فيها للمتلقي أو كتابة ما يعتمل في داخله من أفكار".

وحول غياب جهات تعنى بشؤون الترجمة خارج الأطر الرسمية، أشار حمدان إلى دور جمعية المترجمين الأردنيين التي تأسست العام 1993، وساهمت بتفعيل حركة الترجمة في الأردن، ولكنها لم تتمكن من مواصلة عملها لافتقارها للدعم المالي.

ورأى حمدان أن للترجمة والتعريب قصة ممتدة، رغم وجود إنجازات عديدة، ولكن ضعف الإمكانات المادية حال دون تحقيق الطموحات التي تنهض بحركة الترجمة إلى آفاق أعلى، مطالبا بضرورة الاعتراف بالترجمة كمهنة لها متطلباتها الاكاديمية والعملية والأخلاقية.

وأكد حمدان أهمية تشجيع الجامعات على إنشاء مراكز للترجمة داخل الحرم الجامعي، وتحسين خطط برامج الترجمة وتطويرها بزيادة عدد ساعاتها وبخاصة التدريب الميداني، وكذلك، إنشاء نقابة تهتم بشؤون الترجمة والعاملين فيها.

وعرج حمدان على دور المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية الذي تأسس العام 1980 في حراك الترجمة والتعريب، الذي أصدر عددا من الكتب والمسارد المترجمة، لافتا إلى أن وزارةُ الثقافة أيضا جهزت العام 2008 قسما خاصا للترجمة لكنه سرعان ما أغلق.

الناطق الرسمي باسم جائزة "الشيخ حمد" د. حنان فياض، أوضحت أنه تقديرًا لدور الترجمة اليوم في إشاعة السلام ونشر المعرفة، ودور المترجمين في تقريب الثقافات؛ جاء تأسيس جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في الدوحة، بوصفها جائزة عالمية يشرف عليها مجلس أمناء، ولجنة تسيير، ولجان تحكيم مستقلة.

وبحسبها، فإن الجائزة أخذت على عاتقها، منذ عامها الأول، تشجيع الترجمة من اللغة العربية وإليها بأكثر من لغة؛ معتمدة لغة عالمية كل عام إلى جانب اللغة الإنكليزية، فاختيرت اللغة التركية في العام الأول، ثم الإسبانية في العام الثاني، والفرنسية في العام الثالث، واختيرت الألمانية للموسم الرابع.

واعتبرت فياض أن في عالم تتنازعه الانقسامات، يأتي دور الترجمة جسرًا للتفاهم بين الشعوب، ووسيلة لتلاقح الثقافات، وتغدو رسالة المترجم في أزمنة الصراعات أعظم أهمية، وتصبح لغة مشتركة يزول فيها سوء الفهم، وتتلاشى حدود الوهم التي طالما شيدها الانكفاء على الذات، والبحث عن الخصوم.

وبالعودة للزميل الصمادي، الذي أشار خلال تقديمه الندوة، أن المتتبع لحركة الترجمة بالوطن العربي يلحظ أنها لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، بل ويلحظ كذلك التراجع الكبير في مستوى الاعمال المترجمة عربياً.

واعتبر الصمادي أن الحاجة تتطلب من المترجم أن يكون لديه مهارة فكرية ولغوية فائقة، مبينا أن الترجمة ساهمت، على مر العصور، في إحياء الحياة العلمية والاجتماعية والثقافية لدى الأمم الأخرى.

وبحسبه، فإن الترجمة لعبت دوراً حضارياً وثقافياً وفكرياً منذ بروز فجر التاريخ البشري، وما تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا؛ فالترجمة ظاهرة تستمر وتواكب النمو الحضاري للأمم.

و"جائزة الشيخ حمد" التي تأسست العام 2015، ومقرها في الدوحة بقطر، تسعى إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين أمم العالم وشعوبه، ومكافأة التميز، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع والتعددية والانفتاح.

أما "شومان"؛ فهي ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، وهي مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.