نبض البلد - عمر كلاب
ربما هي جرأة سياسية, ان اقوم بمقاربة بين تجربتين ثوريتين بالمعنى الكامل, كومونة باريس التي جرت في العام 1871, وبين طوفان الاقصى, الذي اضاء بوجهه في 2023, بحكم التشابه في المقاصد والنهايات, واقوم بالمقاربة, بعد ان بدأت اصوات كثيرة في تحميل الطوفان مسؤولية الابادة, وبدأت التسريبات من داخل حركة حماس, بالنقد الذاتي, وربما اعلى من النقد الذاتي واقرب الى الملاومة, والقبول بسقوف سياسية وثورية ادنى من طموح قادة الطوفان, الذين نحتسبهم عند الله شهداء, ومن المفارقة, ان ثلاثة قادوا او حملوا راية الكومونة الاولى في باريس, وثلاثة حملوا مشروع الطوفان في غزة.
وللمراجعة اذّكر, كومونة باريس هي ثورة شعبية قصيرة الأمد وقعت في باريس عام 1871، وتُعد من أبرز التجارب الثورية في التاريخ الحديث, بعد هزيمة فرنسا أمام بروسيا وسقوط الإمبراطورية الثانية، كانت باريس تعيش حالة فقر وجوع وتوتر سياسي شديد, عندما حاولت الحكومة المؤقتة نزع سلاح الحرس الوطني الباريسي، رفضت الجماهير وأعلنت إدارة ذاتية للمدينة, أُعلنت الكومونة في 18 مارس 1871 وحكمت باريس نحو 72 يوماً حتى سقطت بالقوة في ايار, اما الطوفان فكلكم تذكرونه, فما زال مخضوضرا ونديا, وقد تركت الكومونة اثرا كبيرا في الفكر الثوري والاشتراكي, واعتبرت رمزا لمحاولة بناء حكم مستقل رغم قصر عمرها.
الطوفان بالضرورة, هو محاولة ثورية, حاول قادته انتاج واقع مختلف, امام حاضر كان يسير بسرعة, نهو هاوية التاريخ, فالكيان دخل عواصم عبر الاتفاقات الابراهيمية, والسلطة الفلسطينية عاجزة وبائسة وتقوم بدور خدمة الاحتلال بأكثر مما يطلب هو نفسه منها, والقضية الفلسطينية سكنت ادنى درجات الاهتمام العالمي, فجاء الحدث مدويا, وكانت حصيلته بأعلى مما توقع صانعيه, سواء بحجم الغنائم او بالاثر العسكري والسياسي, ولولا مهابة لقلت, لو انهم تقدموا اكثر قليلا في الجغرافيا, لكانت النتائج مختلفة, لكن الحالة كات صادمة للجميع, كيان مهزوز وبدأ تآكله واضح للعيان, قبل الطوفان, كما يقول ساسة فلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال ويحملون مواطنته.
كماحدث مع الثوار في كومونة باريس, حدث مع الثوار في غزة, توحد الجميع ضدهم, فكان الدمار والابادة, لكن ذلك لا يمنع من قراءة الحدث بعين نقدية, ليس لغايات ادانة صانعي الطوفان لا سمح الله, لكن لغايات التعلم والاستفادة, فالمقاومة لن تموت والاحتلال وان يعيش اليوم شهوة قوة, سيجد نفسه قريبا امام واقع مختلف , فقد تغيرت قواعد كثيرة,عالميا وعربيا وفلسطينيا, ولعل التغير الاقل كان على المستوى الفلسطيني, الذي يفتقد كما قلت ومنذ الاسبوع الاول للطوفان, لا يملك مشروعا ولا يملك قيادة, بعد ان قامت السلطة بتجريف وذبح كل المشاريع الوطنية والقيادات المحلية والوطنية.
ما حدث عالميا وعربيا بعد الطوفان, كان لافتا, صحيح انه يحتاج الى وقت كي تتظهر نتائجه اكثر, لكن التغير بدأ, ولعل ابرز نتيجة قريبة لهذا التغير, هو انتخابات الكنيست القادمة, حيث يشهد الواقع العربي في فلسطين التاريخية, تغيرا نوعيا, ان كان على مستوى الاحساس الوطني العام, او على مسار العمل السياسي الفاعل لاسقاط حكومة القتلة والعنصريين, حتى لو كان بديلهم من نفس تربتهم, لكنها رسالة مهمة, نحتاجها في الاردن على الاقل, فرحيل نتنياهو بصرف النظر عن بديله مهم جدا, فالنتن وفريقه المتطرف العنصري, مؤمن فعلا بالتهجير والضم واسقاط الوصاية, ولعل دعمنا لقائمة عربية موحدة, يكون اساسا لهذا السقوط.
كيف بالتعامل مع جميع التكوينات السياسية والاجتماعية في فلسطين, الجميع دون تفضيل طرف على طرف, ومكاشفة الجميع والسماع منهم لا عنهم, كما يقول احد ابرز نشطائهم الذين جمعنا به وبصحبته منزل الصديق محمد صقر مؤخرا, فهذا عمل نستطيعه ويصب في مصلحتنا السريعة, دون انتظار كثير وقت, اما التحول العربي فقد رأينا نقلة نوعية فيه, يمكن البناء عليها اردنيا, واقول اردنيا لاننا في مرمى النيران ونحن هدف مرصود لليمين الصهيوني ومتطرفيه.