نبض البلد - عمر كلاب
ما يُرصد أبعد وأعمق بكثير من مقال او تقرير صحفي, عن حالة حماسية تعيشها الجامعة الاردنية على مختلف تراكيبها واروقتها, لها علاقة بحجم المسافة المقطوعة على اكثر من مسار، فالجامعة الاولى او ام الجامعات, كما يحلو لابنائها الحديث عنها, جرّت قاطرة التعليم العالي, ليس بحكم السبق التاريخي, بل بحكم عملية اجتماعية وسياسية معقدة, بدات بأسبقيتها, ثم بقدرتها على اختراق المجتمع, عبر خبرات اكاديمية وسياسية واجتماعية, لعبت دورا بارزا في حياة الاردنيين, بل وقدمت نخبة اكاديمية مرموقة الى دوائر الحكومات والحُكم.
تراجع دور الجامعة كما تراجعت ادوار مؤسسات كثيرة, في حقبة شهدت تحولا في عقل الدولة, بين ليبرالية متوحشة ويمين محافظ, ولم يكن هناك وسطا او وسيطا لعبور مرحلة جديدة, افترضها السياق المحلي والتغيرات الكونية, فالتلقين لم يعد مُنتجا, والفجوة تتسع بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل, ولم يخرج مسؤول واحد, ليقول للاردنيين, ان الشهادة الاكاديمية شيء واحتياجات سوق العمل شيء آخر, وليس بالضرورة ان تكون الشهادة الجامعية, عتبة لولوج سوق العمل, لذلك وجدنا من يستحدث تخصصات ثم يعود عنها, او يستحدث برامج ثم ينقلب عليها, دون ادنى التفاتة لما تكبدته الاسرة الاردنية من اعباء مالية ونفسية.
جرت محاولات من رؤساء سابقين للجامعة, لاجتياز اللحظة وتصويب المسيرة, لكنها فقدت عنصرا اظنه الابرز, الفريق المنسجم وشيفرة ادارته, فالاردنيون مفتونون بالقائد البطل نعم, لكنه يحبون ان يروا حوله ابطالا بالمناسبة, على شاكلتهم ومن طينتهم, وأظن هذا ما التقطه الطبيب البارع نذير عبيدات, وربما التقطه بغريزة الفلاح, الذي يشتم الرطوبة قبل الارصاد الجوية, ويعرف معادلة العمل الجمعي من بذار وتعشيب وتقليم ومبيدات قبل القطاف, اي عمل جمعي بالضرورة, فكان فريقه بحجم الطموح, وما اظهرته اوراق ديوان المحاسبة مؤخرا, تؤكد ذلك, الجامعة الاسرع استجابة لتصويب الخلل, والاكثر توفيرا للمال, مع ارتفاع في التراتبية العلمية, ومع تحديثات في القاعات الجامعية, وتطويرات في البنى التحتية.
الوفر اذن لم يكن على حساب الجودة, بل بالادارة والاستثمار الامثل للموارد, ولعله كان مصيبا – اي عبيدات- حين استعان بنواب من التخصصات الطبية, فهم الاقدر على وصف الدواء, بحكم اتفاقنا الجمعي على التشخيص, فلا احد ينكر التراجع العام, ولا احد ينكر التحديات, لكننا لم نتفق على العلاج, لذلك كان الحضور الطبي في نواب الرئيس عاليا, دون التقليل من مهارات النواب الاكادميين, فهم ايضا مارسوا دورهم بلياقة اكاديمية عالية, لكن دكتور العلاج الطبيعي, يستحق وقفة, فهو ليس نائبا للرئيس للشؤون المالية والادارية فقط, بل للتقانة ايضا, واعني الدكتور زياد حوامدة, فهو عكس دراسته على عمله, اي انه مؤمن بالعمل المباشر من تصويب وقوة, لاعادة الجسد الى مشيته الطبيعية.
اظنه اسقط كل مهاراته التخصصية على الادارة, برنامج تاهيل شامل لجسد الجامعة, مدعوما من الرئاسة التي تركت الميدان للمتخصصين, والتفتت الى الرؤية الشمولية, دون ضجيج, ودون محاولة استئثار بالقرار او الانجاز, حزم من دون لين, ولين من دون ضعف, هذه الشيفرة التي نقلت الجامعة, خلال سنوات الى مراتب اعلى, وتصنيفات اكثر تقدما, فكان القطاف على قَدر الجهد المبذول, فعادت الجامعة الاردنية لتزاحم على التأثير الوطني, ندوات ورشات عمل, استجابة طلابية ابداعية, في المجالات العلمية والفنية والثقافية والتقنية.
الجامعة ما زال امامها الكثير, لكن المريح انه لا مجال لفرص فائتة او ضائعة, فالفريق الذي يعمل بجد, لن يشعر بالتعب او الملل, فقد اعتاد على التقدم والانجاز, واظن فريق العمل من نواب الرئيس وعمداء الكليات, يعيشون لحظة فارقة, ستقودهم الى مزيد من العمل, فمن اعتاد النجاح لن يقبل بغيره.
omarkallab@yahoo.com