النساء والشباب.. من هامش القرار إلى صناعة المستقبل المناخي

نبض البلد -

الخشمان: مشاركتهم ليست ترفاً بل شرط أساسي لبناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات المناخية

أبو ميالة: غياب النساء عن غرف القرار البيئي… والتمويل يمنع أصواتهن من الوصول إلى COP30

الأنباط – ميناس بني ياسين

في الوقت الذي يتهيأ فيه العالم لواحدٍ من أكثر مؤتمرات المناخ تعقيداًCOP30في البرازيل تتزايد الأسئلة التي لم تعد تحتمل الانتظار.. من سيمثل أصوات المجتمعات الأكثر تأثراً؟ ومن سيحمل مخاوف المناطق الهشّة إلى طاولات المفاوضات؟ وكيف يمكن لبلدانٍ مثل الأردن، التي تقف على حافة العطش والتصحّر وتهديدات الأمن الغذائي، أن تتعامل مع مؤتمر يتطلّب للحضور إليه أرقاماً مالية خيالية جعلت الطريق إلى المشاركة مغلقاً أمام معظم الناشطين الشبابيين والنساء، الذين يُفترض أنهم في قلب المعركة المناخية؟

في لحظة عالمية مضطربة لم يعد التغير المناخي ملفاً بيئياً بقدر ما أصبح معركة بقاء، يشتد فيها الخطر بينما تتسع الفجوة بين من يضع السياسات ومن يدفع ثمن آثارها، وبينما تتسارع الكوارث الطبيعية، وتتراجع القدرة على التكيف، وتتعمّق أزمات المياه والطاقة والغذاء، يصبح السؤال أكثر إلحاحاً.. كيف يمكن أن تُصاغ قرارات مصيرية دون حضور أولئك الذين يعيشون نتائجها يومياً؟

لقد بات واضحاً أن غياب النساء والشباب عن غرف القرار البيئي هو ترفٌ لم تعد الدول قادرة على تحمّلهففي الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة الأزمات، وتتشابك فيه آثار التغير المناخي مع الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن المائي، يصبح إشراك هذه الفئات ليس مجرد "تفصيل تنموي”، بل ركيزة مركزية في قدرة أي دولة على الصمود ومع ذلك، لا يزال الطريق إلى تلك الطاولات محفوفاً بالعقبات؛ نقص التمويل، ضعف التمكين، غياب الاعتراف بدورهم الحقيقي، واختزال حضورهم في أنشطة هامشية بينما القرارات تصاغ في "المطابخ السياسية البيئية” بعيداً عنهم.

ومع حلول مؤتمر COP30، يتكرّر مشهد مُحبط فآلاف الناشطين حول العالم يترقبون فرصة للتمثيل، بينما يواجه الشباب والنساء في المنطقة العربية سقفاً مالياً يمنعهم من الوصول إلى الحدث العالمي الأهم في صناعة مستقبل المناخ، إن الأرقام المطلوبة للسفر والإقامة والمشاركة والتي وصلت إلى مستويات "مخيفة” بالنسبة لواقع المنطقة تطرح سؤالاً أخلاقياً قبل أن يكون سياسياً؛ كيف يمكن للعالم الحديث عن عدالة مناخية، فيما أصوات المتضررين عاجزة حتى عن الوصول إلى منصة النقاش؟

ويصبح المشهد أكثر وضوحاً؛ إننا أمام أزمة تتسع، وزمن يضيق، ومؤتمرات تُدار في عواصم العالم، بينما الفئات الأكثر تضرراً "النساء والشباب" لا تزال على هامش القرار، رغم أنها الأولى التي تواجه العطش، وارتفاع الأسعار، وفقدان مصادر الدخل، وندرة الموارد ما يعني أن مشاركتها اليوم ليست إضافة ولا تحسيناً للصورة، بل ضرورة وجودية، ضرورة تُفرض من حجم الخطر لا من مجاملة أو بروتوكول.

وحان الوقت لانتقال النساء والشباب من خانة "الحضور الرمزي” إلى خانة الفاعلين الحقيقيين؛ من التصفيق للجلسات إلى هندسة القرارات؛ من حضور ورشات جانبية إلى الجلوس داخل غرف السياسات الكبرى، حيث تُكتب قواعد اللعبة المناخية للعقود المقبلة، ولم يعد مقبولاً أن يُصاغ مستقبل المناخ دون نصف المجتمع ودون قوة الشباب التي تمتلك المعرفة التكنولوجيا والرؤية الميدانية والإبداعية.

ومع اقتراب مؤتمر COP30—، "الأنباط" تسلط الضوء في حديث مع استاذ وخبير البيئة عمر الخشمان والناشطة الشبابية رهف أبو ميالة، بأن العالم لن ينجو من أزمته المناخية ما لم تُفتح الأبواب فعلاً أمام المرأة والشباب ليكونوا جزءاً من الحل، وشركاء في القرار، وقادة في المعركة التي تتسارع وتيرتها كل يوم.

وفي السياق أكد الدكتور عمر الخشمان أن مشاركة الشباب والنساء أصبحت ضرورة حتمية في مواجهة التحديات المناخية، موضحاً أن هذه الفئات ليست فقط الأكثر تأثراً بالأزمات خاصة في المناطق الريفية حيث يعانون من ضعف الدخل وقلّة الموارد الأساسية بل هم أيضاً الأكثر قدرة على تقديم حلول مبتكرة وفعّالة موضحاً أن النساء، بحكم دورهن في إدارة الموارد اليومية داخل الأسرة والمجتمع، يواجهن بشكل مباشر آثار التغير المناخي من نقص الغذاء والماء والطاقة إلى ارتفاع الأسعار، ما يجعل أصواتهن ضرورية في صياغة السياسات البيئية التي تستجيب لاحتياجات الفئات الأكثر هشاشة.

وأشار الخشمان إلى أن الشباب يمتلكون أدوات المستقبل من ابتكار تكنولوجي وفهم للمعرفة المحلية الدقيقة، الأمر الذي يجعلهم قوة دفع رئيسية في مسارات التنمية المستدامة مضيفاً أنّ إدماجهم إلى جانب النساء، في الخطط والبرامج البيئية يحقق قبولاً مجتمعياً أوسع واستمرارية أطول للسياسات، لأن هذه الفئات ترتبط مباشرة بالواقع اليومي للتحديات المناخية وبين أن النساء تحديداً يمِلن إلى اتخاذ قرارات طويلة المدى تراعي مصالح الأجيال القادمة وتحافظ على الموارد الطبيعية، وهو ما يضيف بعداً أخلاقياً واستراتيجياً لصناعة القرار البيئي.

وأوضح الخشمان أن التمكين الاقتصادي للنساء ودعمهن في المشاريع الخضراء يشكّل رافعة اجتماعية واقتصادية مهمة، إذ يؤدي إلى تقوية المجتمع وتحسين مستوى المعيشة، ونقل المجتمعات من حالة الضعف إلى مساحات أكثر صلابة وقدرة على الصمود، مؤكداً أن دور المرأة والشباب أساسي أيضاً في إدارة المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، وخلق فرص العمل الجديدة في الاقتصاد الأخضر، وتعزيز الابتكار الزراعي، مما ينعكس إيجاباً على قدرة المجتمع على التكيف مع آثار التغير المناخي.

وأضاف أن أي استراتيجية أو سياسة بيئية مهما كانت محكمة تقنياً لن تُكتب لها الحياة دون مشاركة فعلية من النساء والشباب، لأنهم يشكلون الفئة الأكثر احتكاكاً بالتحديات والأقدر على تقييم الحلول على أرض الواقع وشدد على أن حضورهم في عملية صنع القرار يرفع فعالية السياسات، ويضمن قدرتها على التطبيق العملي، ويخلق منظومة أكثر عدالة واستدامة.

وختم الخشمان بالقول إن مشاركة المرأة والشباب ليست ترفاً ولا خياراً جانبياً، بل شرط أساسي لبناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات المناخية المستقبلية، مؤكداً أن اتساع مساحة مشاركتهم هو الطريق الأقصر لتحقيق الاستفادة القصوى من السياسات البيئية والتنموية.

وفي السياق ذاته قدّمت الناشطة البيئية رهف أبو ميالة سرداً واسعاً للتحديات التي تواجه النساء في العمل المناخي والبيئي، مشيرة إلى أن أكبر التحديات يكمن في ضعف تمثيل النساء في مواقع صنع القرار البيئي والسياسات المناخية، رغم أنهن الأكثر تأثراً بآثار التغير المناخي وأوضحت أن غياب المرأة عن الهيئات والمجالس البيئية يقلل من تأثيرها في رسم السياسات وصياغة القرارات، خاصة أن العاملات في القطاع البيئي يواجهن تحديات مضاعفة تتعلق بالموارد والتمويل وعدم الوصول للمعلومات.

حيث أكدت أن الأردن بفضل الدعم الملكي يتيح اليوم مساحة حقيقية للنساء والشابات لقيادة العمل المناخي، وأن التقدم مستمر رغم التحديات.

وأشارت في الوقت ذاته إلى فجوة كبيرة بين الموارد المتاحة والموارد المطلوبة لتمكين النساء في هذا القطاع، موضحة أن العديد من الفتيات والناشطات ومنهن هي نفسها لم تتمكنّ هذا العام من المشاركة في مؤتمر المناخ COP30 بسبب نقص التمويل، رغم أهمية هذه المنصات في تمثيل احتياجات النساء وتسليط الضوء على التحديات الميدانية التي يواجهنها.

وبيّنت أبو ميالة أن النساء في المناطق الريفية والمهمشة يواجهن تحدياً إضافياً يتمثل في ضعف الوصول للمعرفة البيئية والمعلومات الأساسية، ما يحرمهن من تطوير دورهن كناشطات، إلى جانب النظرة المجتمعية التي تقيد مشاركتهن في العمل الميداني الضروري في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، الزراعة، إدارة المياه، وقراءة التغيرات البيئية على الأرض وأكدت أن العمل البيئي بطبيعته يعتمد على الرصد والتحليل والمتابعة الميدانية، لكن بعض المجتمعات لا تزال تتعامل مع وجود المرأة في الميدان بنظرة سلبية تُضعف دورها وتمكينها.

وأضافت الناشطة أن تمكين المرأة لم يعد رفاهية بل أصبح ضرورة حقيقية لمحاربة آثار التغير المناخي، وأن الفجوة بين الخطاب والواقع لا تزال واضحة؛ فهناك نساء في الصفوف الأمامية ببذلهن الجهد وابتكارهن للمبادرات، لكن المقابل لا يزال ضعيفاً من حيث التمويل والتمثيل والدعم الرسمي موضحةً أنها، رغم أربع سنوات من العمل وخبرتها الواسعة ومشاركتها في منصات عالمية، لا تزال تواجه تحديات في الحصول على التمويل اللازم للمشاركة في فعاليات دولية، مما يعكس ضعف الدعم الموجه للنساء في هذا القطاع الحيوي.

وأكدت أبو ميالة أن تمثيل النساء في مرحلة صياغة السياسات وليس فقط في مرحلة تنفيذها هو أمر جوهري، لأن النساء والشباب هم الأكثر تأثراً بالتغير المناخي والأقدر على طرح حلول مستندة إلى تجربتهم ومواجهتم اليومية للتحديات وطالبت بتوفير تمويلات أكبر لمشاركة النساء في مؤتمرات دولية وبناء القدرات والبرامج التدريبية، مشيرة إلى أنها مثّلت الأردن في أكثر من 15 دولة لكنها لا تزال ترى العديد من الشابات غير قادرات على الوصول لأي فرصة بسبب غياب التمويل، مشددةً على ضرورة إدماج النساء في تصميم البرامج البيئية والمناخية بما يتناسب مع احتياجاتهن وواقعهن وتجاربهن، لأن هذه البرامج هي ما يخلق الوعي الأولي الذي يمكّن المرأة لاحقاً من المطالبة بدورها في السياسات.

وروت أبو ميالة الفروقات التي لمستها بين الدول المتقدمة والدول العربية في العمل المناخي، موضحة أن الدول المتقدمة تعتمد على رؤية مؤسساتية طويلة المدى ودعم ضخم للمبادرات النسائية والبحث العلمي، في حين لا تزال المنطقة العربية تعمل ضمن أولويات سياسية واقتصادية تطغى على العمل البيئي، كما أشادت بالدعم الملكي في الأردن الذي عزز المشاركة الشبابية والنسائية في المحافل الدولية، مشيرة إلى مشاركاتها في COP28 وC0P29 ولقاءاتها بالوفد الحكومي والاستماع لتحديات الشباب ومقترحاتهم وأوضحت أنها استطاعت خلال أربع سنوات تنظيم مؤتمر الشباب للمناخ وإطلاق مبادرات وبودكاست "أجيال خضراء" لنشر الوعي البيئي.

وتحدثت عن لحظات مفصلية في مسيرتها أبرزها مشاركتها في المنتدى السياسي رفيع المستوى في نيويورك عام 2025 كالمتحدثة الوحيدة باسم الشباب الأردني، إضافة إلى حضورها اجتماعاً مغلقاً خلال COP28 جمع الحكومة الألمانية ونائبة المدير التنفيذي للأمم المتحدة لبحث إعلان الشباب والعمل المناخي، مؤكدةً أن هذه اللحظات عززت قناعتها بأهمية الصوت الشبابي في السياسات العالمية.

لكنها أشارت في المقابل إلى أن تمثيل الشباب العربي لا يزال ضعيفاً جداً في المحافل العالمية، حيث تجد نفسها أحياناً الممثلة الأردنية الوحيدة، في ظل نقص التمويل وصعوبة الوصول لهذه المنصات وأكدت أن تكاليف المشاركة في COP30 هذا العام وصلت إلى مستويات "مخيفة"، ما أجبرها على المشاركة عن بُعد رغم تلقيها دعوة رسمية.

وفي ما يتعلق بأولويات الأردن في المحافل العالمية، شددت على أهمية التمويل المناخي العادل، والملف المائي باعتبار الأردن من أفقر دول العالم مائياً، إضافة إلى ملفات الطاقة والتكيف.

وفي رسالتها لقادة العالم أكدت أن زمن الوعود انتهى وأن المرحلة تتطلب إرادة سياسية عالمية وقرارات فعلية وتمويلاً عادلاً يراعي احتياجات المتضررين أما رسالتها للفتيات الأردنيات، فكانت دعوة للبدء من المكان والقدرات المتاحة، مؤكدة أن الفرص لا تأتي بلا حركة وأن الإيمان بالذات هو خطوة النجاح الأولى.