د.حازم قشوع

مع انتهاء الحرب المعرفية ؛؛؛

نبض البلد -
د. حازم قشوع
 
إذا كانت معظم التكنولوجيا المدنية المتطورة لا يمكن تصنيعها من دون استخدام المعادن النادرة "التيتانيوم والليثيوم واليورانيوم"، وهى معادن موجودة بنسب متفاوتة فى الدول الصناعية الكبرى، وأما المعادن دقيقة التاثير التى تستخدم فى الصناعات العسكرية / الأمنية التي تشكل مساحة اشتباك في الحرب القادمة فهى "الغاليوم والجرمانيوم" التى تدخل فى صناعة الرقائق الالكترونيه واشباه الموصلات النوعية، والتى تسيطر الصين على ما نسبته 90% من مخزونها الطبيعي والباقى موجوده فى روسيا وأوكرانيا، كما تسيطر روسيا على جزء منها نتيجة اكتشافات القطب المتجمد الشمالي.
 
وتسيطر أمريكا عبر ألاسكا على ذات المعادن التي تستخدم بالصناعات الحربية الثقيلة كالطائرات المقاتلة النوعية والسفن الحربية وبواخر النقل الثقيلة والأسلحة المدارية كما يستخدم ايضا فى توليد الطاقة الخضراء الهيدروجينية التي ستكون بديلة عن الطاقة الأحفورية في وقت قريب، لكن أمريكا مازالت تمتلك ورقة الجوكر وهو امتياز نوعي تمثله هولندا التي مازالت تسيطر على ماكينات تصنيع أشباه الموصلات ومصانع الرقائق الإلكترونية بشكل منفرد، وهي الصناعات التى تحتاجها الصين لغايات كما روسيا الاتحادية.
 
وهذا ما جعل من اللقاء القطبي يشكل مساحة توافق روسي أمريكي وجعل من الرئيس الأمريكي يخمد نيران أوكرانيا لتقاسم هذه الثروات التي أخذت تحتكرها الصين وروسيا عبر إعادة تشكيل نظام ضوابط وموازين جديد، تشارك فيه الأطراف الثلاثة الأمريكية والصينية والروسية، وهو ما يعتبره المتابعون أنه يشكل اعتراف أولي من قبل واشنطن بالتعددية القطبية بعدما أضحت الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا المتطورة بما في ذلك "الهندسة السحائبية" المهمة استخباريا عبر مخزوناتها المعرفية باتت غير قادرة على استيعاب غزارة المعلومات، حتى يتم تحليل البيانات وتطوير منهجيات العمل فى بيان دقة النتائج من دون توسيع سعة المخزون المعرفي، الأمر الذي أصبح بحاجة لإيجاد نظام ضوابط وموازين جديد.
 
وهو المعطى الذي جعل من البيت الأبيض يقوم بالكشف عن زيارة سيقوم بها الرئيس ترامب للصين فى نيسان القادم بالتزامن مع توجيه دعوة للرئيس تشي لزيارة البيت الأبيض فى هذا العام، وهذا ما يعني أن طاولة المفاوضات التى تقوم عليها سمة الهندسة المعرفية باتت تجلس عليها أمريكا والصين وروسيا الاتحادية بعدما ظهر تباين شاسع بين موقف أمريكا وموقف بقية الدول الصناعية في قمة G20 التى انعقدت فى جنوب افريقيا، للدرجة التى ناوأ فيها البيان الختامي السياسات الأمريكية فى التفرد فى بيت القرار دون احترام المرجعية الأممية في مسارات العمل، وهو ما يهدد بطريقة ضمنية نظام الضوابط والموازين الذى جاء عند تشكيل المنظومة الأممية بعد الحرب العالمية الكبرى التى جاءت مع التسابق / التنافس الصناعي في حينها.
 
وبهذا التوافق الثلاثي الروسي الصيني والأمريكي تكون "السرايا" قد بينت أن الحرب قد شارفت على الانتهاء إن لم تكن قد انتهت، وأن كل ما يجرى بهذه الاثناء هو اقتسام كعكة الهندسة المعرفية ومساحات النفوذ الجيواستراتيجية، بينما ما زال حكي القرايا منشغل بترقب اندلاع الحرب العالميه الثالثه والتي شارفت على الانتهاء وتحسبها حواضره أنها لم تبدأ بعد !.
 
الأمر الذي يبين مقدار الهوه الكامن بين القمة والقاع ويؤكد أن ما يحدث فى المجتمعات المتقدمة هو بعيد عن ما يصل إلينا من تأثير في الدول النامية، التي ما زالت تقبع في البينيات وتعيش مجتمعاتها بلا سمة أو هوية إنتاجية نتيجة حالات القضم ورياح التعرية التى أصابت البنية الداخلية لعاملها الذاتي، الأمر الذي بات بحاجة لحالة مراجعة شاملة تقوم على تقديم ما يلي.
 
اولا ؛ ادخال منهجية الاقتصاد الإنتاجي وثقافته لتكون جزءا من ثقافة المجتمع والعمل لتكوين مناخات جاذبة للاستثمار النوعي الخاص باستقطاب الكفاءات المعرفية.
 
ثانيا ؛ إعادة بناء قوام المنظومه الامنيه ونقلها من منظومة احترازية إلى منظومة استقصائية / استقطابية تكون مساحة الاشتباك على جلب العلوم المعرفية وجلب علمائها.
 
ثالثا ؛ ادخال منظومة عمل الهندسة المعرفية الشاملة في منهاج التكوين التعليمي، وذلك ضمن جامعة خاصة تنشأ لهذه الغاية بحيث يكون من صميم عملها "بيان البحوث وتطوير برامج عمل وتحديث آليات التصنيع الخاصة"، والتى تستهدف استقطاب العلماء واستدراج العلوم البحثية القادرة لبناء إضافات نوعية في ميادين الهندسة المعرفية المهنية منها والحرفيه.
 
وهى التوصيات التى يمكنها أن تنشئ جيل قادر لاستيعاب المتغير القادم الذي يتعاطى مع منظومة الذكاء الاصطناعي باحترافية، كما يتعامل مع النانو تكنولوجي فى مجالات تطوير البنية الصحيه والطبيه، ويكون قادر على التعامل مع منظومة البتكوين بدلا عن البنكنوت الحالية، ووضع بنية تحتية لشبكات النقل وميادين التواصل المعرفية، وهو برنامج اجده شامل كونه يقوم على الاستثمار بالموارد البشرية التي باتت تشكل الأساس المتين لثقافة الاقتصاد الإنتاجي التى يستلزم تقديم برنامج عملها مع انتهاء حرب الهندسة المعرفية بالتوافق على التعددية القطبية.
 
لاسيما وان الاردن يمتلك كل المقومات التى تؤهله للانتقال من الدور الوظيفي إلى المنزلة الإنتاجية لامتلاكه المواد الطبيعية والموارد البشرية النوعية الخاصة بالكفاءات العلمية وإضافة إلى العامه منها التي توفر له الحاضنة اللوجستية السانده، هذا إلى حالة الاستقرار التى نجح نظامنا السياسي في المحافظة عليها على الرغم من كل رياح التعرية ومناخات التجوية التي رافقت الحرب العالمية الكبرى منذ اندلاعها بالربيع العربي، وما تلاها من حرب الإرهاب، وما تبعها من حرب كورونا، وكانت آخرها الحرب الإقليمية في غزة، وهذا ما يؤكد قدرة قيادتنا على تخطى التحديات ومقدرة شعبنا على تخطى الأزمات مهما بلغ عمقها، كما يبين ان الاردن قادر لتشكيل نموذج لتوطين صناعة الهندسة المعرفية لما تمتلكه قيادتنا الهاشمية من مكانه يمكن الاستثمار بها لجلب هذه الصناعات لما يمتلكه شعبنا من تأهيل في شتى المجالات المعرفية، وهذا ما يؤهل الأردن ليكون نموذج للصناعات المعرفية على المستوى المدني كما على الصعيد الأمني والعسكري.