نبض البلد -
أحمد الضرابعة
يقول وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين: "لا حاجة لإقامة دولة للفلسطينيين؛ لأنهم يُشكّلون الأغلبية في الأردن". ليس جديداً هذا الخطاب الذي يتبناه اليمين السياسي الإسرائيلي، فقد تبلور وخرج إلى حيز الوجود في مراحل مبكرة من القضية الفلسطينية استجابةً لمنطق التعامل مع التحديات الوجودية بالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والذي يقوم على ترحيلها للدول المجاورة. الديموغرافيا، بالنسبة للإسرائيليين هي المعضلة الكبرى التي ما تزال مستمرة رغم موجات النزوح واللجوء الفلسطيني المختلفة على مدار عقود، ومع ذلك فإن التعاطي معها ما زال يتم بالعقلية الكلاسيكية ذاتها التي اخُتبرت مرات عديدة وثبت أن ما ينتج عنها من أفكار وتصورات لن يكون قابلاً للتطبيق، فالأردن لن يقبل بتوطين الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية عن طريقه، والفلسطينيين لن يحكموا على أنفسهم بالإعدام عبر التماهي مع سياسات الاحتلال الرامية إلى تفريغ الأرض من السكان حتى وإن شذ البعض منهم عن هذا الموقف الوطني، والمجتمع الدولي الذي اعترف بدولة فلسطين وجدد تمسكه مؤخراً بحل الدولتين لن يسمح بحل القضية الفلسطينية على الطريقة الإسرائيلية. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إسرائيل لا تعمل على تصميم بيئة طاردة للفلسطينيين سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية أو أراضي الـ 48، خصوصاً منذ السابع من أكتوبر لعام 2023، فوفقاً للعديد من التقارير، سعت إسرائيل لتجريد قطاع غزة من مقومات العيش، وفي الضفة الغربية زاد نشاطها الاستيطاني وحملاتها الأمنية وقيودها الاقتصادية على السلطة والمجتمع، وهذه السياسات جاءت لخدمة المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى تعديل ميزان الديموغرافيا على النحو الذي يوفر لليهود شعوراً بالأمن على الصعيد الاستراتيجي
بالنسبة للأردن، فإن وجود أكثر من اثنين مليون لاجئ فلسطيني على أراضيه يغري الحكومة الإسرائيلية لترويج ادعائها بأن مبدأ "الأردن هو فلسطين" يتوافق مع التركيبة السكانية الأردنية. يتجاهل الإسرائيليون أن هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن مسجل لدى وكالة الغوث الدولية، وأن حق العودة إلى ديارهم الأصلية في فلسطين لم يُلغَ، فوجودهم في الأردن، وحصولهم على جنسيته الوطنية لا يُسقط عنهم صفة اللجوء التي كفلتها المواثيق الدولية، ولا يبرر محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر إلغاء حقهم في العودة من خلال مشاريع التهجير والتوطين. كما أن موقف الأردن تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين واضح، فهو ينطلق من مبادئ الشرعية الدولية، ويطالب إلى اليوم بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم (194) والذي ينص على ضرورة السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو دفع التعويضات المالية لمن يختار منهم عدم العودة.
في كل مرة تدعو فيها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة إلى اعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين لا بد أن ينطلق الرد الأردني على ذلك بإبراز حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم المحتلة أو تعويضهم، والتأكيد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وأن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية لا يكون إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما يسمى "الوطن البديل" مجرد وهم لن يغير من حقائق السياسة والتاريخ شيئاً. لن يكون الأردن وطناً بديلاً لأحد، ولن تفلح إسرائيل بإذابة الهوية الوطنية الفلسطينية، والحال أنها ستضطر في وقت لاحق للاعتراف بهذا الواقع وتقديم التنازلات اللازمة لاحتواء التحدي الديموغرافي الذي تواجهه.