حاتم النعيمات
عادت الأنظار إلى جنوب سوريا بعد تفجر اشتباكات خطيرة في محافظة السويداء. أكثر من ثلاثين قتيلًا ومئة جريح، هي الحصيلة الأولية لمواجهات عنيفة اندلعت بين فصائل مسلحة درزية وأخرى عشائرية بدوية في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية وسط غياب واضح لقوات الحكومة الجديدة.
وبحسب ما أوردته وكالات مثل "أسوشيتد برس" و "سكاي نيوز" فإن الإشتباكات بدأت إثر حادثة اختطاف تاجر درزي كان يتحرك على أحد الطرق الخارجية من قبل مسلحين، وأدى ذلك بشكل سريع إلى تطور مواجهات مسلحة في عدة مواقع داخل المحافظة مما هزّ صورة الحكومة الانتقالية الجديدة وأعاد إلى الواجهة أسئلة عن قدرتها على حسم الملفات وضبط الوضع والقدرة الفعلية على بناء دولة مستقرّة.
لكن النظر إلى المشهد من الزاوية المحلية لا يكفي لفهم ما يجري؛ فالحدث في السويداء لا يمكن فصله عن المصالح الأمنية الإقليمية؛ فالخطير في المشهد هو إعلان إسرائيل لتدخلها في بشكل مباشر عبر قصف جوي استهدف دبابات تابعة للجيش السوري الجديد كانت تتحرك في محيط السويداء. الجيش الإسرائيلي أعلن ذلك رسميًا عبر بيان له نشر الإثنين.
من الواضح أن هذا التدخل يأتي تحت ذريعة حماية الدروز التي لطالما سوقتها إسرائيل بُعيد سقوط نظام الأسد. مع أن تل أبيب ادّعت -حسب مصادر استخباراتية غربية- أن هذه العملية هي إجراء استباقي يهدف إلى منع تمركز وحدات ثقيلة قريبة من الحدود مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الواقع يقول أن الهدف هو خلط الأوراق بهدف فرض نفوذ إسرائيلي دائم في جنوب سوريا.
بشكلٍ أو بآخر، فإن التدخل الإسرائيلي هو تأكيد على جدية انخراط إسرائيل في الشأن السوري، ومصادقة على أن جنوب سوريا يقع في متناول يد آلة الحرب الإسرائيلية، وهذا كله يضع حكومة الشرع أمام تحدٍ كبير، حيث أصبحت اليوم أمام نفوذ وحضور تركي واضح في الشمال وسيطرة إسرائيلية في الجنوب.
ورغم أن هناك عمليات تهيئة لمفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل في أذربيجان، إلا أن الأمور لا توحي بحد أدنى من "الندية" بين الطرفين خصوصًا على وقع التدخل الحالي والذي لا يمكن اعتباره جزءًا من الضغط الإسرائيلي لتحسين شروط التفاوض على الطاولة بقدر ما هو محاولة لفرض وشرعنة "استباحة" متوفرة عند الطلب وربما لتثبيت قنبلة موقوتة تفجرها إسرائيل متى شاءت في جنوب سوريا.
بعد تأخرٍ لعدة أيام، بدأت الحكومة السورية الجديدة بإرسال قوات ذات تسليح متوسط ودون مظاهر نظامية واضحة (ما زال الطابع المليشياوي واضحًا)، وكان هذا التحرُّك بعد أن تم أسر عناصر تابعة لدمشق على يد جماعات مسلحة يُعتقد أنها درزية. هذه الهيئة التي ظهرت عليها القوات السورية تثير المخاوف من تكرار مشهد الساحل السوري في السويداء مرة أخرى.
الأردن لاعب شديد الحذر في الجنوب السوري، لكنه حاضر بقوة اجتماعيًا وأمنيًا؛ فمنذ سنوات والتعاون حاضر والمجال مفتوح، فقد نفذ الجيش الأردني عدة ضربات جوية وبرية في السويداء ضد مصانع ومخازن تهريب الكبتاجون والسلاح التي تديرها ميليشيات خارجة عن السيطرة.
ما نُشر في الإعلام الأردني ووكالات مهمة مثل صحيفة "ذا تايمز" البريطانية ووكالة "أسوشيتد بريس" أكد أن الأردن يملك مساحة حركة واسعة "تحت عناوين كثيرة" داخل العمق السوري، كنتيجة لجولاته التي كانت تهدف أولًا لإبعاد القتال أثناء الثورة السورية ولحصار شبكات التهريب المتوغلة الجنوب السوري. لذلك فالأردن يحتاج لأن يكون طرفًا في معادلة السويداء إما بالفعل أو كوسيط -على الأقل- بين الحكومة السورية واللجان في السويداء، فلدينا ببساطة علاقات جيدة مع الطرفين، والتهدئة تخدم استقرار سوريا وتكبح جماح النفوذ الإسرائيلي وهذين الأمرين يشكلان مصلحة أردنية عُليا.
وبحسب مصادر، وجّه الأردن قبل أيام "لومًا" قويًا لحكومة دمشق لعدم التزامها بتعهداتها في محاربة تهريب المخدرات من جنوب سوريا إلى الأردن، ولفشلها في الوصول إلى تفاهمات تضبط مناطق جنوب سوريا وبالأخص السويداء. لكن الواقع على الأرض يقول أن السويداء تتجه نحو مشهد أكثر اضطرابًا، وأن القوى الأهلية فيها قد تنخرط في مواجهات مسلحة، ويبدو أن العلاج على يد حكومة الشرع سيكون مكلفًا جدًا.
مراقبة الأحداث وتقديم اللوم والعتب من قبل الأردن أمور قد لا تكفي من وجهة نظري خصوصًا مع حكومة بلا خبرة كالحكومة السورية الحالية، إذ لا بد من خلق واقع جديد هناك باستخدام كل الأدوات المتاحة، ولأكون صريحًا أكثر، فإن الاعتماد على الحكومة السورية في ملف الجنوب قد لا يكون مجديًا على محمل الاستراتيجيا في ظل صراع محتمل أو تفاهمات متوقعة بين تركيا وإسرائيل على سوريا.
يبدو أن دمشق تميل إلى استرضاء تل أبيب في الجنوب السوري أكثر من الأردن، لنضع ذلك في اعتباراتنا، فقد ظهر ذلك من خلال إهمال الملفات هناك، ومن خلال شدة اللوم الأردني أيضًا. بالتالي فلا بد لنا أن نرفض البقاء تحت رحمة هذا الاسترضاء وتلك التفاهمات، ولا في حالة انتظارٍ للفوضى والانفلات الأمني هناك.