خرافة الشرق الأوسط الجديد.

نبض البلد -


حاتم النعيمات


يكثر الحديث هذه الأيام عن شرق أوسط جديد قد ترغب الولايات المتحدة بفرضه بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة، وأتساءل في هذا السياق عن شكل هذا الشرق الأوسط، وعن ماهية هذه التغيرات التي ستأتي من خلاله كما يتحدث البعض.

الغريب أن المنطقة بشكلها الحالي وخصوصًا بعد ما حدث في السابع من أكتوبر أصبحت قادرة على تلبية المصالح الأمريكية بشكل أكبر، ولا أعتقد أن هناك داعٍ إستراتيجي حقيقي لتغييرات أكثر مما تغير، ولأكون واضحًا؛ فإن دول المنطقة بحسب معيار المصالح الأمريكية يمكن أن تقسم إلى قسمين: قسم يقيم علاقات "تبادلية" مع الأمريكان مثل الأردن ومصر والخليج العربي، وقسم لديه علاقة "مشوشة" معهم، مثل إيران والعراق واليمن وسوريا (إلى حدٍ ما)، ولو أخذنا القسم الثاني لوجدنا أنه في أضعف حالاته اليوم بل أنه علي أبواب مرحلة القبول بالنظرية الأمريكية في إدارة المنطقة. والقصد هنا ليس الانتقاص من هذه الدولة أو تلك، فهذه طبيعة النظام العالمي اليوم الذي تتسيده الولايات المتحدة.

الحديث عن شرق أوسط جديد له فرضيتان: الأولى من خلال تعديل الحدود وخلق كيانات صغيرة جديدة من رحم كيانات كبيرة كالحديث مثلًا عن تقسيم سوريا واليمن والعراق، وفرضية ثانية تستند على خرافة إسرائيل من الفرات إلى النيل. ولا أعتقد أن الفرضيتين أساسهما واقعي؛ لأن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة واضحة في تقسيم دول ولو أردات لفعلت عندما كان العراق تحت يدها وهو دولة متعددة الإثنيات، بل أن جميع التصريحات الواردة من واشنطن تسعى لوحدة الدول المذكورة ولكن بشروط تلبي مصالح أمريكا في المنطقة. أما خرافة أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل فهذه لا تستحق النقاش من الأساس لأن إسرائيل لا تستطيع إدارة هذه الدول ومن عليها من السكان الذين يكنون لها عميق العداء الديني والتاريخي والحقوقي.

من مساوئ تداول رواية الشرق الأوسط الجديد أنها تشعر شعوب هذه المنطقة أن الإرادة الأمريكية-الإسرائيلية هي قدر محتوم لا نقاش فيه، لذلك فمن يتابع الفضاء السياسي العربي يجد أن معظم التشخيص السياسي وحتى التخطيط العام لمستقبل الدول مبني على أن هناك قدرٌ قادمٌ سينْفذ بقرار من واشنطن وتل أبيب، وهذا بالمناسبة، جزء من أسباب تعطل الحركة باتجاه تكوين منظومة عربية قادرة على حمل المنطقة بعد أن ظهرت إسرائيل كصاحبة يد طويلة في الإقليم. وللتمييز، فأنا لا أنفي أن المنطقة لم تتغير ، ولكن هذا التغيير حدث في موازين القوى والنفوذ وليس في شكل المنطقة السياسي كما يرى البعض.


نحن بحاجة اليوم للإستفادة مما حدث بدلًا من تسويق الضعف؛ فلدينا اليوم منطقة قد تكون قريبًا خالية من المليشياوية وتطبيقاتها السياسية، وهذه فرصة تاريخية لتكوين تنسيق عربي قوامه دول محترمة متماسكة ذات سيادة. ولا نريد أن يبقى هذا الجزء المعتبر من العقل العربي التحليلي عالقًا في توقعات المستقبل دون أن يلتفت للتخطيط الواقعي المضارع، إذ لا يمكن أن يستمر هذا الحديث عن احتمالات جُلها غير واقعي في خضم حالة من سوء التنسيق العربي.

الأردن هو الأكثر حاجة للمنظومة العربية؛ لأنه ببساطة قد يكون أكثر المتضررين من نتائج السابع من أكتوبر، لذلك فإن علينا كأردنيين واجبات مضاعفة عما هو مطلوب من غيرنا، وكم أتمنى أن يكون لدينا في الأردن تشخيص يعتمد على البيانات الجديدة للمنطقة وليس على كلاسيكيات سياسية لم تعد واقعية، وكم هو ضروري أن تكون هناك خطاب صوته عالٍ من لدن الدولة الأردنية يوقف حالة المبالغة والتهيئات التي تسرد عن مستقبل المنطقة والأردن.