بلاسمة: يمثل الهيدروجين الأخضر ركيزة استراتيجية لتحقيق أمن طاقي مستدام
مشاريع الهيدروجين الأخضر تفتح في الأردن آفاقًا اقتصادية واستراتيجية واعدة
الأنباط – عمر الخطيب
في ظل تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والاقتصادات منخفضة الكربون، يبرز الهيدروجين الأخضر كأحد أهم البدائل المستقبلية لتخزين الطاقة واستخدامها في القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها مثل النقل الثقيل والصناعة.
وفي هذا السياق، يسعى الأردن بما يملكه من مصادر طبيعية متجددة وموقع جيوسياسي محوري، إلى اقتحام هذا السوق الوليد، فهل يشكّل الهيدروجين الأخضر فرصة استراتيجية للأردن؟ وما هي تحديات هذا التحوّل؟
فرص تصديرية وموقع استراتيجي
خبير الطاقة الدكتور فراس بلاسمة بين لـ"الأنباط" أن موقع الأردن الجغرافي والاستراتيجي يسهل تصدير الهيدروجين ومشتقاته (كالأمونيا الخضراء) إلى أوروبا والخليج وشمال أفريقيا عبر العقبة والربط البري، لافتًا إلى زيادة الطلب الدولي على الوقود النظيف لا سيما مع سعي الاتحاد الأوروبي لاستيراد 10 ملايين طن سنويًا بحلول 2030، وإبداء شركات ألمانية وهولندية اهتمامها بالشراكة مع الأردن.
وأوضح أن الهيدروجين الأخضر هو الغاز الذي ينتج من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام الكهرباء المولدة بالكامل من مصادر متجددة (شمسية أو رياح)، وهذه الطريقة لا تنتج أي انبعاثات كربونية على عكس الطرق التقليدية لإنتاج الهيدروجين (مثل الهيدروجين الرمادي أو الأزرق) التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
وأشار إلى أن الأردن يتمتع بـ ثلاث مزايا أساسية لتبني الهيدروجين الأخضر منها وفرة مصادر الطاقة المتجددة، إذ يحقق إشعاعه الشمسي (5.5–7.5kWh/م²/يوم) وسرعات الرياح (حتى 9 م/ث) إنتاجًا متناميًا بحيث بلغت مساهمة الطاقة المتجددة 27% من مزيج الكهرباء في 2023 مع هدف 50% بحلول 2030.
مبادرات وفرص واعدة
وبين بلاسمة أن الأردن يشهد حاليًا العديد من المبادرات التي تهدف إلى ترسيخ مكانتها في مجال الهيدروجين الأخضر، وأبرزها توقيع مذكرة تفاهم مع الجانب الألماني(GIZ/BMWK)لـدراسة إنشاء منشآت إنتاج في الجنوب، وإلى جانب الاستلهام من تجربة مشروع نيوم الهيدروجيني السعودي كـنموذج إقليمي لـ بناء منصة مرنة ومنخفضة التكلفة، والعمل على إنشاء أكاديمية وطنية لتدريب الكوادر الفنية بدعم من الاتحاد الأوروبي، ضمن جهود تأهيل الموارد البشرية وتعزيز جاهزية المملكة لتحويل طاقتها المتجددة إلى هيدروجين أخضر ينافس في الأسواق العالمية.
وفيما يتعلق بالفرص الاقتصادية والاستراتيجية، أكد أن مشاريع الهيدروجين الأخضر تفتح في الأردن آفاقًا اقتصادية واستراتيجية واعدة حيث يتوقع أن توفر آلاف الوظائف النوعية في مجالات الطاقة والكيماويات والنقل والبحث العلمي، مما يعزز قدرات الكوادر الوطنية ويرتقي بفرص العمل، بالإضافة إلى أن تصدير الهيدروجين ومشتقاته سيسهم في توفير مصدر جديد للعملة الصعبة، وبالتالي تخفيض العجز التجاري وتنويع القاعدة التصديرية لـ المملكة. مبينًا أن هذه المشاريع تدعم التزامات الأردن في إطار اتفاق باريس، من خلال خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 31% بحلول 2030 وفق المساهمات الوطنية المحددة، ومن ثم يمثل الهيدروجين الأخضر ركيزة استراتيجية لتحقيق أمنٍ طاقي مستدام وتنمية اقتصادية متوازنة.
تحديات وحلول مقترحة
واستعرض بلاسمة أن الأردن يواجه في مساره نحو الهيدروجين الأخضر أربعة تحديات رئيسية منها ندرة المياه النقية المطلوبة للتحليل الكهربائي (ما يستدعي تحلية مياه البحر أو إعادة تدوير مياه الصرف المعالجة)، وغياب إطار تشريعي ينظم الإنتاج والتخزين والتصدير ويضمن حماية البيئة وجذب المستثمرين، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الإنتاج الحالية (4–6 دولارات للكيلوغرام مقابل هدف أقل من 2 دولار بحلول 2030)، ونقص الكوادر الفنية المؤهلة في مجال التحليل الكهربائي والهندسة الكهروكيميائية، ما يستدعي إطلاق برامج أكاديمية وتدريبية متخصصة وذكر بلاسمة عددًا من التوصيات التي ينبغي على الأردن تبني استراتيجية وطنية متكاملة للهيدروجين الأخضر تجمع بين إدارة المياه والطاقة وحماية البيئة، مدعومة بتشريعات مرنة ومحفّزة تجذب الاستثمارات الدولية وتضمن السلامة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لـ تمويل المشاريع التجريبية والكبيرة، كما يقترح تأسيس صندوق تمويل أخضر وطني ودعم ربط مشاريع الهيدروجين بشبكة الربط الكهربائي الإقليمي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ويمثل الهيدروجين الأخضر فرصة استراتيجية كبرى للأردن لـ تعزيز أمن الطاقة، وجذب الاستثمار، وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية، لكن هذه الفرصة لا يمكن اغتنامها دون تخطيط متكامل وإرادة سياسية واضحة وشراكات دولية قوية، فإن السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان الأردن سينضم إلى نادي منتجي الهيدروجين الأخضر عالميًا، أم سيفقد زمام المبادرة لصالح دول مجاورة أكثر جاهزية.