المؤامرة الكونية، وتجاذب القطبية العالمية، والصلابة الداخلية...

نبض البلد - إبراهيم أبو حويله

فالحالة الصلبة هو مصطلح ظهر خلال ثورات الربيع العربي، يشير بشكل واضح إلى أن البلاد التي تتمتع بحالة من الصلابة الداخلية، وقوة في النظم الداخلية والأجهزة الأمنية والتماسك المجتمعي والاقتصادي هي مجتمعات صلبة، بمعنى عصية على محاولة التغيير من خلال الثورة، أو التأثير الداخلي أو الخارجي على هذا المجتمع لإحداث ثورة. وهنا قد تكون هذه الحالة إيجابية من جهة وسلبية من جهة أخرى.

والسلبية هنا هي ما نراه من محاولات الاستعمار الحديث بكل أشكاله لإحداث حالة صلبة في المجتمع، بحيث يصبح الاستعمار حالة عصية على التغيير، ويصبح في الوعي المجتمعي أن المقاومة عبثية لا فائدة منها. وهذا نراه في كثير من الدعوات المشبوهة المرتبطة بالاستعمار، وقد تكون هذه من جهات حليفة لهذا الاستعمار ظاهرًا أو باطنًا، أو من أبناء البلد المستعمر (فتح العين) نفسه. وتأخذ هذه الدعوات أشكالًا مختلفة حسب وضع وحالة المقاومة في البلد، فمثلًا تصبح المقاطعة الاقتصادية التي نادى بها غاندي خطرًا حقيقيًا على الاستعمار والمتعاونين معه، ويجب التخلص منها بكونها ظاهرة أو منه بكونه المسبّب بأي شكل.

قبل تفشي هذه الحالة في المجتمع، وأن تصبح هذه الحالة ظاهرة، وهذا ما حدث مع عمر المختار في ليبيا والمقاومة في الجزائر، حيث تصدى مجموعة ممن يدّعون التدين والعلم، وقاموا بإصدار فتاوى تخدم المحتل، وتساهم في زيادة قوته واستمراره.

وهنا أيضًا، ونتيجة للتشويش الواضح الذي يعتمده الاستعمار، قد يقع أبناء الوطن المخلصون في مثل هذه الدعاوى، ولذلك لا بد من التأكيد على خلق حالة عامة من الوعي.

وربط هذا الوعي بالوسائل والأهداف، بحيث تتضح الرؤية النهائية من خلال الأهداف والنتائج، وليس من خلال الأحداث اليومية المتفرقة، والتي يغرق فيها صاحب الرأي كما يغرق فيها المواطن العادي، ولا يستطيع التحكم والسيطرة والتحليل المنطقي والعلمي للخروج من واقع حالة التأثير التي تخلقها قوى الاستعمار المختلفة، للسيطرة على الوعي المجتمعي وتوجيه هذا الوعي لخدمة مصالحها، والتي تتضارب مع مصالح المجتمع في الأعم الأغلب. ولذلك، بدون خلق الوعي العام بأهداف ووسائل وطرق الاستعمار الغربي الحديث، قد نقع مرة أخرى في حبائله دون أن ندري، وقد يكون بعض المخلصين سلاحًا في يد الاستعمار الغربي الذي لم ينتهِ في عالمنا العربي والإسلامي دون أن يشعر.

ولهذا أعود إلى صديقي الدكتور المسيري من جديد، والذي كان يسعى بكل الوسائل والسبل إلى خلق أنماط تفكيرية وسلوكية تجعل الفعل والانفعال منضبطين بقواعد تحدد: هل هذا الفعل في مصلحة المجتمع أم لا؟ ولذلك شدّد رحمه الله على أن المجتمع الغربي والصهيونية ليسا مجتمعات مثالية خالية من السلبيات، وتخضع لقوانين ونظم ثابتة مطردة بحيث تكون إيجابية دائمًا، ولكنها مجتمعات تعاني سلبيات كبيرة وخللًا كبيرًا، ومن الممكن من خلال الفهم الصحيح والتنميط الصحيح الولوج إلى نقاط الخلل في هذه المجتمعات وإحداث شروخ كبيرة فيها، تؤثر على قوتها وقدرتها في السيطرة على شعوب العالم، ومحاولة خلق إطار توجيهي معين بحيث تبقى هذه الشعوب في خدمة المشروع الغربي. ويرى أن فكر المؤامرة والبروتوكولات يصب في هذه الخانة، وأنه وإن كان يوجد بعض مظاهره هنا وهناك، ولكن لا يرقى لأن يصل إلى ذلك المستوى الذي يروج له البعض، بحسن نية أو سوء نية أحيانًا، لجعل المقاومة عبثية بلا نتيجة.

في المقابل، الحالة الإيجابية هي التي تحرص المجتمعات الغربية على بقائها واستمرارها في مجتمعاتهم، لأنها تساهم في تصويب حركة المجتمع، وتنقيه من الخبث والفساد والتسلط والسيطرة. ولذلك تبقي هامشًا من السيطرة للإعلام والشعوب، بحيث ترجع السياسة إلى هذه المحددات دائمًا ولا تملك السلطة المطلقة على الشعوب، وهذا نوع من تصحيح الحركة.

ولكن لا يعني هذا بحال قوة مطلقة أو إيجابية مطلقة. وكما أشار نعوم تشومسكي، فإن هناك العديد من السلبيات في هذا النموذج، وسبل كثيرة للسيطرة عليه سواء من خلال الإعلام أو الحكومات، لمحاولة كبح الحركة في المجتمع، والسيطرة عليها لتحقيق أهداف الساسة بشكل رئيسي.

حقيقةً، أنا لا أتبنى وجود نظرية مؤامرة كونية، وإن كان أصحاب هذه النظرية يعتمدون على الكثير من المفاصل التي أجدها واقعية وتحتاج إلى تفسير وتأطير وتنميط للوصول إلى حقيقتها. ولكن ما يحدث مع هؤلاء هو تمامًا ما يحدث مع أولئك الذين يؤمنون بوجود عناصر فضائية بيننا، هي السبب في كل الظواهر غير المفهومة، حتى وجود عجائب الدنيا السبع كان بسببهم، فهم من بنى الأهرامات، وساهم في نقل البشرية مراحل. وهذا حقيقة أراه يشابه فكر أولئك الذين يتبنون نظرية المؤامرة الكونية في كل شيء.

أما الحالة السائلة، فهي تلك الحالة التي تكون فيها المجتمعات غير متماسكة ولا صلبة، وتحتوي على عدد من العناصر التي تؤدي إلى حدوث قلاقل وثورات في هذه البلدان، نتيجة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على التماشي أو التماهي مع حالة البلد.

وهنا أود أن أشير بوضوح إلى أن القوة والسيطرة ليست هي الطريقة الوحيدة في التعامل مع المجتمعات، والمحافظة على استقرارها. وخذ ما حدث في رومانيا وتونس وليبيا، مع صلابة الأجهزة الأمنية من جهة، وعدم صلابة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية من الجهة الأخرى.

ولذلك لا بد من صلابة في المجتمع بشكل كامل حتى ينتقل المجتمع من الحالة السائلة بدرجاتها إلى الحالة الصلبة بدرجاتها أيضًا.

وهنا أيضًا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحالة تخضع تمامًا لما تخضع له السيولة والصلابة في الطبيعة، بحيث تكون المرحلة السائلة، هي سائلة على درجات. ولنأخذ مثلًا مقياسًا من عشرة، حسب معطيات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ومن الممكن أن يتصدر باحثون لوضع تصنيفات لهذه الحالة من السيولة أو الصلابة، بحيث تكون أكثر وضوحًا في ذهن متخذي القرار من جهة، والمهتمين بالشأن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضًا من جهة أخرى.

محاولة للفهم .

ابراهيم ابو حويله ...