الدكتور خالد العاص

"الأقصى كل السور": حين يصبح الوعي التربوي جزءاً من معركة الهوية

نبض البلد -
د. خالد العاص
لا يمكن النظر إلى برنامج "الأقصى كل السور" الذي ينظمه ملتقى القدس الثقافي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم للمعلمين والمدراء والمشرفين بوصفه مجرد دورة تعليمية أو نشاط ثقافي. فهو في جوهره مشروع بامتياز، يأتي في ظل ضغوط إسرائيلية متصاعدة على القدس ومحاولات تغيير المشهد الديمغرافي والقانوني للمسجد الأقصى، في هذا السياق، يصبح الاستثمار في الوعي السياسي والديني أداة مواجهة غير عسكرية، تهدف إلى الحفاظ على الرواية الفلسطينية وتعزيز حضور القدس في الوعي الوطني، وحماية الحقوق التاريخية والدينية للأوقاف الإسلامية.
يُعدّ المسجد الأقصى رمزا مركزيا للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، حيث تستخدم إسرائيل الاستيطان والاقتحامات ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني لفرض واقع جديد على الأرض. أمام هذه الممارسات، لم يعد فهم الأجيال لمكانة الأقصى مهمة ثقافية فحسب، بل ضرورة وطنية للحفاظ على وعي عام يقاوم التطبيع النفسي ويمنع الانزلاق إلى قبول الرواية الإسرائيلية، ويؤكد دور الوصاية الهاشمية كحارس للهوية الإسلامية والتاريخية للمسجد.
تحوّل برنامج "الأقصى كل السور" إلى مبادرة ذات بعد سياسي واضح تسعى إلى إعادة تشكيل السردية الفلسطينية حول المسجد الأقصى والقدس. فالبرنامج لا يكتفي بتقديم معارف عامة، بل يرسّخ لدى المشاركين فهما استراتيجيا للمكان بوصفه محورا للصراع وهويّة مهددة. وفي هذا الإطار، يتخطى دور المعلم حدود نقل المعرفة التقليدية ليصبح فاعلا ثقافيا وسياسيا يمتلك أدوات تحليل المخاطر التي تواجه القدس، ويدرك تاريخ الصراع وآليات التهويد المتصاعدة. ومع هذا التأهيل، يغدو المعلم جزءا أساسيا من شبكة وعي جماعية قادرة على مواجهة مشاريع الاستيطان وتغيير البنية الديمغرافية.
القضية الأهم هنا أن القدس ليست مسؤولية أجهزة السياسة وحدها، بل أيضا المؤسسات المدنية، وعلى رأسها التعليم، ما يعزز فهم الطلاب والمعلمين للمسؤولية المشتركة عن الحفاظ على الهوية والمقدسات.
ويتزامن البرنامج مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية، ويعكس رسائل مزدوجة، داخليا :تعبئة المجتمع ورفع مستوى الوعي السياسي، ومنع التطبيع النفسي مع الإجراءات الإسرائيلية. وخارجيا: إظهار أن قضية القدس ما زالت أولوية وطنية، وخلق ضغط دبلوماسي غير مباشر على الأطراف الدولية.
برنامج "الأقصى كل السور" ليس مشروعا تربويا محدودا، بل هو جزء من معركة سياسية طويلة: معركة على الوعي مقابل محاولات التهويد. معركة على الرواية مقابل السردية الصهيونية. معركة على الهوية مقابل التفكيك الثقافي والسياسي. 
وبينما تعمل إسرائيل على فرض حقائق جديدة على الأرض، يبرز هذا البرنامج كجزء من استراتيجية مضادة تقوم على "التحصين المعرفي" للمعلمين والطلبة، في مسعى يوازي في أهميته الجهد السياسي والموقف الدبلوماسي. فهو محاولة واعية لصياغة ذاكرة جماعية لا تغيب عنها القدس، ولبناء وعي صلب يرفض انحسار حضورها مهما تصاعدت الضغوط ومحاولات التهويد.