د.حازم قشوع

رملة سليمان والحجر الأسود

نبض البلد -
د. حازم قشوع
 
تعرف الرملة بانها ارض أجنادين، وهى المدينة التى شهدت توقيع استسلام ريتشارد قلب الاسد ضمن اتفاقية خروجه من فلسطين على يد صلاح الدين، وان كانت الرملة قد اسست فى عهد سليمان بن عبدالملك في الدولة الأموية فى القرن الثامن للميلاد، كما انها شهدت بعد تأسيسها واحدة من أهم المعارك التي دارت بين الحق والباطل عندما شهدت هزيمة القرامطة على يد القائد جوهر الصقلي فى عهد المعز لدين الفاطمي، وعقب هذه الهزيمة عاد أبو الطاهر الجنابي قائد القرامطة عن غيه ليعيد الحجر الأسود إلى الكعبة بعد 22 سنة امضاها الحجيج يطوفون حول الكعبة بلا حجر اسود، بعدما قام قائد القرامطة سعيد الجنابي الذي أخذ الولاية بعد وفاة حمدان الأشعث مؤسس حركة القرامطة غريبة الأطوار صفويه المضمون باستباحة الحرم المكي، وقام بانتهاك حرمات الحجيج والحج وأخذ بقتل عشرات الالاف في ساحة الكعبة ورمي أجسادهم فى بئر زمزم، وفى يوم عرفة يوم الرحمة وفى ساعة الغفران والمغفرة.
 
القرامطة كانوا يعتقدون أن فريضة الحج وشعائرها هى من الطقوس الوثنية وأن لا قيمة للمكان الجغرافي الذي تقبع فيه الكعبة، وأن السر يكمن بالحجر الأسود حتى راحوا قرامطة "قصار القامة والخطوه" يدعون الناس للذهاب للكعبة الجديدة في هجر التى شيدوها في البحرين عاصمة ملك القرامطة، حيث مدينة هجر التى تقع شرق نجد حيث تتضمن مملكة البحرين "القرامطة" القطيف والأحساء واليمامة، وأخذت هذه الإمارة بالاستقواء على الدولة نتيجة لضعف مركز الخلافة العباسية فى بغداد فى عهد المقتدر بالله الذي لم يقم بأي عمل يذكر حين تم استباحة الحرم المكي وإخراج الحجر الأسود من الكعبة سوى البكاء ودعى للصلاة، وعمل للدخول بمفاوضات مع القرامطة لتكون المحصلة أن تدفع بغداد مبلغ 50 ألف ليرة ذهب للقرامطة حتى يعيدوا الحجر الأسود الى مكانه لكنهم لم يفعلوا واستكبروا أكثر من ذلك، وطلبوا من بغداد دفع جزية سنوية مقدارها 12 ألف ليرة حتى يتوقفوا عن سطو القوافل التجارية التي كانت متجه إلى بغداد أو القادمه منها، وهذا ما تم مع بقاء الحجر الأسود في هجر لكون امام الزمان المنتظر أرشدهم لذلك، وهي الجدلية الغيبية التى مازالت قائمة إلى يومنا هذا.
 
الأمر الذى جعلهم يفرضون نظام ضوابط وموازين على الجميع بعنوان السيطرة وأخذ الجزية استمر أكثر من ثلاثين سنة، انهزموا بعدها في معركة "الرملة" وأخذ حكمهم يتقلص ولا يتجاوز نفوذهم النطاق الضيق فى حدودهم لكنه استمر حوالى 190 سنة، لكنه كان محصور فى جغرافية مكان واقعة بين البصرة وعُمان وعلى امتداد شواطئ الخليج العربي الشرقية، ليكونوا سكان هذه المناطق يحملون موروث ثقافي مغلق جاء من ارثهم الذي يوصفون به ويتصفون بطباعة، وهذا ما جعلهم يشكلون ذلك المجتمع المتعلق بالتاريخ اكثر من تعلقه بالحاضر والمستقبل على حد وصف نماذج الكتب المعرفية الغابرة.
 
وهذا ما جعل من رمله سليمان بن عبدالملك الذي نقلها من طبريا لتكوين رمله السوق الواصلة بين يافا الميناء والقدس حيث المركز لتشكل مدينة الرملة فاصلة تاريخية ليس فقط لشهادتها على معركة هزيمة القرامطة فحسب لكن لكونها إعادة الحجر الأسود الى حيث مكانه الصحيح فى مكه، وكما بقيت الرملة تشهد لاعادة فتات الحجر الأسود الى مكة بعدما تم اعادة تكوينه وحسن تشكيله من جديد من عبث القرامطة الذين قاموا بتفتيته إلى ثماني أقسام، ليعاد من بعد ذلك تشكيله بالفضة على يد مهرة / صاغه كانوا من عجلون، وعملوا لإعادة بلورة الحجر الأسود من جديد في البلقاء حيث كانت تصك العملة الفضية.
 
وهذا ما جعل من رساله البناء وإعادة التكوين تكونها الاردن على مر الازمان، حتى في مسالة بيان النصرة ومنهجية حسن الاستجابة ليشع من نهر الأردن وتاريخ رجاله حالات معرفية مؤصله كما باح كاتب التاريخ من علمه، أو تم استحضار علومه المعرفية ورجالات الإصلاح للامة، فلقد كان الاردن خير الاجناد مازال يلبى النداء وتشكل رسالته الممتدة خير شاهد لامتداد تاريخ الأمة ومسارات عناوينها، وستبقى كذلك تعيد الألق لراية المجد كلما ضاق الحال بالأمة ... تلك هى الرسالة التى شكلها الهلال الخصيب ومازالت حاضرة برتبة شاهد على مجد الهاشميين حيال ذلك وهى تقوم لاستحضار هذا التاريخ بعمل موصول تقديره الحجر الأسود كلما ضاق حال بالامه وبحث الجميع عن بوصلة عنوانها الثبات على الضاد وقوامها الحرية والوحدة .