مقترحات لتخفيف أزمة المواصلات في عمّان

نبض البلد -
د. أيوب أبودية
خلال حوارية في برنامج "بيئتي صحتي" على قناة الأنباط يوم الأربعاء 22 تشرين الأول 2025 توصلنا فيها إلى بضعة حلول لتخفيف أزمة المواصلات في عمّان مع مستشار العمارة والتصميم الحضري الدكتور المهندس مراد الكلالدة، كما هو آت:
تشهد العاصمة الأردنية عمّان واحدة من أكثر أزماتها الحضرية تعقيداً، إذ باتت حركة السير اليومية معاناة جماعية تطال جميع فئات المجتمع. فما فتئت ازدحامات المرور تمتد لساعات طويلة بحيث أضحت جزءاً من المشهد اليومي، وما يرافقها من توتر في الأعصاب وهدر للوقت والوقود وتزايد في انبعاث الغازات الملوّثة للبيئة، حتى أصبحت المدينة من بين الأعلى في معدلات التلوث الهوائي في المنطقة.
الخبير في تخطيط المدن الدكتور مراد الكلالدة يرى أن الأزمة ليست قدراً مفروضاً، بل نتيجة لسنوات من التخطيط المتقطع وغياب الرؤية الشاملة طويلة الأمد. ويؤكد في حديثه أن عمّان تحتاج إلى خطة نقل وطنية ثابتة لا تتبدل بتغيّر الحكومات، بحيث تضع حداً للاجتهادات المتكررة والبطولات الفردية وتبني على ما أنجز بدلاً من البدء من الصفر في كل مرة.
واتفق المحاوران أن أحد المفاتيح التنظيمية الأساسية هو استكمال الطرق الدائرية، التي توقفت عند مراحل مختلفة منذ أكثر من عقد. فاكتمال الدائريين الرابع والخامس والسادس كفيل بتوزيع الحركة المرورية وتخفيف الضغط عن مركز المدينة، كما فعل الخط الدائري الذي حوّل السير القادم على طريق المطار من معان والعقبة إلى شمالي الأردن دون الدخول في عمان. وهو ما يشكل الأساس لأي نظام نقل متكامل ومترابط.
كما يرى الكلالدة أن إنشاء مترو في عمّان لم يعد ترفاً بل أصبح ضرورة اقتصادية وبيئية، إذ يمكن أن يربط بين أطراف العاصمة ويقلل الاعتماد على المركبات الخاصة، التي تجاوز عددها ما تتحمله الطرق الحالية. والمترو، كما يقول، "مشروع استراتيجي يعيد التوازن للمدينة، ويؤسس لثقافة نقل عام حضارية ومستدامة."
واتفق أن الحل لا يقتصر على المترو وحده، بل يجب أن نبني نظام نقل متكامل ومتعدد الوسائط يشمل القطارات الخفيفة والحافلات السريعة بحجم يناسب شوارع عمان الضيقة، والدراجات الكهربائية، وممرات آمنة للمشاة، على غرار ما شرعت به الأمانة مشكورة في شارع الستين (كوريدور عبدون) مع تطوير تطبيقات ذكية تنظم حركة النقل العام وتزيد من كفاءته. فضلا عن وضع خطة شاملة لربط المدن الأردنية بسكك حديد تمهيدا بربطها بسكة حديد السعودية وبلاد الشام.
من بين أبرز ما دعا إليه المحاوران هو التحول إلى وسائل نقل كهربائية طالما أن لدينا فائضا من الكهرباء نتطلع لتصديره إلى العراق ولبنان ومصر، سواء لتشغيل الحافلات أو سيارات الأجرة، بوصفها خطوة ضرورية لتقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء في عمّان. فلا يعقل أن تظل عمان تعاني من باصات النقل العام الضخمة والتي تنبعث من نواتج احتراق الديزل لتلوث هواء عمان الذي نستنشقه.
واقترح أن تُربط هذه الخطوة "كهربة المواصلات" بخطة وطنية متكاملة للطاقة المتجددة التي أوشكت استراتيجيتها المحدثة على الصدور بزيادة مشاركة الطاقة النظيفة في خليط الكهرباء من 30 إلى 50%، بحيث تعتمد المركبات والقطارات على كهرباء نظيفة منتجة من الشمس والرياح، وهو ما يعزز استقلال الطاقة ويخفض فاتورة الوقود الوطني ويحد من تلوث الهواء.
إن أحد جذور الأزمة يكمن في التوسع الأفقي غير المنضبط لعمّان الكبرى، على النحو الذي بدأ به وصفي التل بوضع نطاق حضري لعمّان ينتهي عند الشميساني الحالي. فالإنتشار الحضري أدى إلى نشوء ضواحٍ بعيدة تتطلب رحلات طويلة يومياً للوصول إلى مركز المدينة. الحل، برأيه، هو وقف هذا التمدد واعتماد نمط عمراني عمودي أكثر كثافة، ما يقلل الحاجة للتنقل الطويل ويجعل خدمات النقل العام أكثر فعالية وجدوى، خاصة المترو. كذلك، يجب تأسيس مواقف عامة للمركبات، على غرار موقف العبدلي المستحدث، عند آخر خطوط تصل اليها وسائط النقل العام، مثل محطة صويلح أو دوار الكمالية، بحيث يستطيع سكان غرب عمان ركن مركباتهم واستخدام الوسائط السريعة كباص عمان. أما مركبات الشمال فيمكن عمل موقف عام بالقرب من صافوط، ثم شق نفق مترو بحيث يتفرع إلى السلط غربا والمدينة الطبية جنوبا ليوكون باكورة شبكة المترو في عمان الكبرى.
في الختام اتُّفق أن حل أزمة المواصلات في عمّان يتطلب قراراً سياسياً جريئاً واستمرارية تنفيذية لا تعرف التردد، ورؤية عمرانية متكاملة تضع الإنسان والبيئة في مركز الاهتمام. فالمواصلات ليست مجرد وسيلة انتقال، بل مقياس لجودة الحياة وعدالة توزيع الخدمات وخفض تكاليفها على المواطن.
ومع تفعيل خطة كهربائية مستدامة لوسائط النقل، واستكمال الطرق الدائرية، وتنويع وسائط النقل بإنشاء مترو وخطوط سكك حديد وطنية حديثة، واستمرار اجراءات السير المتشددة على المخالفات، يمكن لعمّان أن تنتقل من مرحلة الازدحام الخانق إلى مدينة ذكية صديقة للبيئة، تعيد للهواء صفاءه وللسكان وقتهم المهدور في الزحام، وتريح أعصابهم المتوترة.
لقد آن الأوان لعمّان أن تتنفّس الصعداء. فالمدن التي تخنقها السيارات لا يمكن أن تزدهر، ولا يمكن أن يرتفع مؤشر السعادة فيها، والطرق التي تزدحم كل صباح هي مرآة لغياب التخطيط المتراكم عبر السنوات وسوء الإدارة وتداخل المسؤوليات، كتداخل صلاحيات وزارة الأشغال العامة في الطرق الرئيسية داخل أمانة عمان الكبرى.
لكن الأمل لا يزال قائماً في الإصلاح، فكل مدينة مرت بأزماتها قبل أن تولد من جديد على أسس مستدامة. فإذا امتلكت عمّان إرادة سياسية واضحة وخطة نقل كهربائية شاملة ورؤية حضرية لا تتبدل بتبدّل الحكومات، فسوف تتحول عمان من عاصمة تئنّ تحت وطأة الزحام إلى مدينة متصالحة مع بيئتها وإنسانها ومدنيتها الحديثة. حينها، لن يكون الوصول من شرقها إلى غربها سباقاً مع الوقت، بل رحلة مريحة في مدينة تعيش المستقبل في طموحها اليومي.