نتنياهو بين ضغط العالم ونقمة الداخل.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

أعتقد أن قرار الأمم المتحدة الأخير الداعم لحل الدولتين لن يمرّ مرور الكرام في إسرائيل، بل من الممكن أن يشكّل ضغطًا إضافيًا على حكومة نتنياهو التي وجدت نفسها في مواجهة جبهة دولية تتسع مع الوقت، نتنياهو الذي خرج مباشرة بعد قرار الجمعية العامة ليصف القرار بأنه مجرد استعراض سياسي لا يأخذ بالاعتبار ما يسميه "المخاطر الأمنية" التي تواجهها إسرائيل فقد جزءًا كبيرًا من الإجماع الذي حصل عليه في بداية الحرب، فرفضه لقيام دولة فلسطينية لن يلغي حقيقة أن الغالبية الساحقة من دول العالم صوّتت لصالح القرار، وأن عزلة تل أبيب تزداد مع تعنّته.

الصحافة الإسرائيلية بدورها عكست هذا الأثر، فالصحف اليمينية والمقرّبة من الحكومة اعتبرت الأمم المتحدة "مؤسسة منحازة” وأن القرار محاولة لإجبار إسرائيل على قبول واقع سياسي لا تريده وهذا الانزعاج يشير إلى أن القرار شكل هزة لمعسكر اليمين. أما صحف الوسط واليسار فقد رأت أن استمرار تجاهل حل الدولتين سيُفاقم من عزلة إسرائيل، ويضعها في مواجهة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية متصاعدة، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي وأمريكا التي تصاعدت فيها الأصوات المعارضة لتصلب تل أبيب وتماديها بشكل أصبح يناقض المصالح الأمريكية كما حدث في الاعتداء على الحليف القطري.

من الطبيعي أن تتململ إدارة ديموقراطية من سياسة اليمين الإسرائيلي، لكن من غير الطبيعي أن يحدث ذلك من قبل إدارة جمهورية متشددة كإدارة ترامب التي عبرت عن عدم رضاها عن سلوكات إسرائيل الأخيرة بتصريحات رسمية. صحيح أن هذه التصريحات لا تعني أن أمريكا تخلّت عن دعم إسرائيل، لكنها تؤكد في المقابل أن العلاقة بينهما ليست في مرحلة النمو ولا الثبات حتى، والغالب أنها في طور هبوط بعد تراكم من هذا النوع من اللوم.

في ظل هذا المشهد، يواصل نتنياهو العناد، فقبل أيام فقط من قرار الأمم المتحدة، وقّع على خطة جديدة للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية سميت بخطة E1، وأعاد التأكيد على رفضه لقيام الدولة الفلسطينية. هذا التمسك يزيد من التوتر مع المجتمع الدولي، لكنه يضمن له في الوقت نفسه رضا حلفائه المتطرفين مثل سموتريتش وبن غفير، وهنا يكمن جوهر النقاش داخل إسرائيل ولذي يتولد من سؤال يقول: هل الدولة والجيش والاقتصاد والمصالح الإسرائيلية أصبحت كلها رهينة لمصالح نتنياهو الشخصية والحزبية الضيقة؟

لذلك كله، فإن الأعباء تزداد على نتنياهو ليس في قاعة الأمم المتحدة فحسب، بل في الداخل الإسرائيلي، فاستطلاعات الرأي تُظهر أن الثقة به وبحكومته تتآكل بسرعة، فقد نفذ معهد الديمقراطية الإسرائيلي استطلاعًا أظهر أن 15٪ من الإسرائيليين يريدون بقاء نتنياهو في منصبه بعد انتهاء الحرب على غزة، وفي استطلاع آخر نشرته يومية معاريف، حمّل 62٪ من الإسرائيليين نتنياهو مسؤولية الفشل الأمني في هجوم 7 أكتوبر، وطالبوا باستقالته. بينما أظهر استطلاع آخر نشرته القناة 13 الإسرائيلية أن 71٪ يرون ضرورة استقالته إما فورًا أو بعد الحرب.

هذه الأرقام تعكس حالة غضب شعبي أو على الأقل تفكك في شعبية ورواية اليمين، فنتنياهو يمر اليوم في وضع مختلف بسبب حرب طويلة من طرف واحد بحجة الرهائن الذي أصبح الإسرائيلي يعتقد أن مصيرهم غير مهم بالنسبة له، وخسائر في علاقات إسرائيل الدولية، بالإضافة إلى تراجع اقتصادي ملحوظ.

إسرائيل في عهد تهوُّر نتنياهو، وبوجود وسائل إعلام غير تقليدية تقع خارج سيطرة الإيباك والمتنفذين الداعمين لإسرائيل (كالتواصل الإجتماعي) خسرت مظلميتها التي لطالما استخدمتها تسويق سلوكاتها، فالعالم اليوم والمؤسسات الدولية تجمع إلى حد كبير على أن إسرائيل تجاوزت حدود الرد على عملية السابع من اكتوبر واقترفت جرائم حرب مثل القصف العشوائي والتجويع والسعي إلى تهجير السكان بالقوة.

ما ذكر أعلاه هو توصيف للمشهد لا يعني بالضرورة أن إسرائيل ستتحول إلى دولة مسالمة بعد نتنياهو واليمين، لكن لا نستطيع أن ننكر أن هناك مساحات جديدة تاريخيًا أمام التنسيق العربي -خصوصًا بعد ضربة الدوحة- لوضع الكثير من المصالح الأمريكية "بالجملة" على طاولة ترامب، فقد استطاعت دول الخليج العربي من خلال استثماراتها الضخمة في أمريكا أن تخلق نواة قوة ضغط (لوبي) داخل الولايات المتحدة، وأنجزت السعودية تحشيدًا كبيرًا لمؤتمر نيويورك الذي تبنت الجمعية العامة مقترحاته، ناهيك عن نجاح الأردن ومصر في فرملة مشروع التهجير، وخلق رواية مضادة فضحت ادعاءات اليمين الإسرائيلي.


الحديث هنا عن مجموعة عوامل وظروف قد تفضي إلى تغيرات جذرية، فنحن اليوم في منطقة ضعفت فيها المليشيات بشكل كبير، وضعفت بالنتيجة منظومة الذرائع التي كانت إسرائيل تستخدمها قبل أي عدوان. وهذا بالنهاية يحتّم علينا أن نتحرك باتجاهين كدول عربية: اتجاه نبني عبره على الزخم الدولي ضد إسرائيل، واتجاه لإيجاد بيئة فكرية جديدة قادرة على الوقاية من عودة المليشياوية إلى المنطقة.

باختصار، ورغم سواد المشهد إلى أن هذه الذروة في التمادي الإسرائيلي قد تحرك جميع الأطراف الداخلية والخارجية لإحداث تغيير جذري يتوجب علينا كعرب قراءاته واستغلاله بكفاءة.