نبض البلد -
ضرورة تحصين الأجيال من الانسياق وراء الصور المصطنعة لما يسمى بـ"المؤثرين"
الرجبي: حملة المقاطعة على المشاهير سببها صمت معظمهم على مايحصل في غزة
بني مصطفى: الفضول الاجتماعي وراء تمسك الجمهور بمتابعة المشاهير
ناشطة على مواقع التواصل: حياة السوشيال ميديا خادعة وغير حقيقية
الأنباط - آية شرف الدين
في ظل الانتشار الواسع لمحتوى مشاهير "السوشيال ميديا"، تزايدت الأصوات المحذّرة من خطورة ما يقدمه هؤلاء المؤثرون على الوعي الاجتماعي والنفسي والقيمي للجمهور، خاصة في ظل انصراف الكثير منهم نحو صناعة "صورة مثالية" عن الحياة، تخفي وراءها أهدافًا تجارية بحتة، بعيدًا عن القضايا الإنسانية والوطنية الكبرى.
ويرى خبراء الإعلام أن جزءًا كبيرًا من هذا المحتوى يقوم على التضليل والإبهار المصطنع، عبر إخفاء العلاقات التجارية أو تضخيم الذات بأساليب لا تراعي أبسط قواعد الموضوعية والأخلاقيات الإعلامية، وهو ما ساهم في نشر ثقافة التفاهة وتعزيز النزعة الفردانية والاستهلاكية على حساب قيم المجتمع.
ومن الناحية النفسية والاجتماعية، يحذّر مختصون وناشطون من أن استمرار هذه الظاهرة بلا رقابة أو وعي يهدد الأجيال الجديدة باضطرابات مثل القلق والاكتئاب وضعف تقدير الذات، ويعمّق الفجوة بين الواقع البسيط وصورة الرفاهية المبالغ فيها، مؤكدين أن وعي الجمهور وممارسته لحق المقاطعة هو السلاح الأنجع لمواجهة "صناعة الوهم" على المنصات الرقمية.
واتفق الخبراء على ضرورة تعزيز التربية الإعلامية والتفكير النقدي، ورفع الوعي المجتمعي بآليات عمل المنصات، بما يساهم في تحصين الأجيال الجديدة من الانسياق وراء الصور المصطنعة التي تروّجها صناعة "المؤثرين"
محتوى المشاهير بين "التسويق المشروع" و"التضليل الرقمي"
وقال أستاذ الإعلام الرقمي المشارك في جامعة الشرق الأوسط، الدكتور محمود أبو فروة الرجبي، في حديثه لـ"الأنباط"، إن التعامل مع محتوى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يكون ككتلة واحدة، لكونه يتفاوت بين ما يراعي مبادئ الشفافية والسلامة وما يخرق الأساسيات الأخلاقية في الإعلام، خاصة عند إخفاء العلاقات التجارية أو الترويج المموّه لمنتجات على أنها توصيات شخصية.
وأضاف أن القواعد الدولية وأخلاقيات الإعلام تلزم المؤثرين بالإفصاح عن أي علاقة تجارية، مشيرًا إلى أن بعض المحتوى قد تم منعه عالميًا بسبب سوء التصريح أو نشر مزاعم صحية غير موثقة، مما قد يؤدي إلى تضليل المتلقي.
"ثقافة التفاهة" والفردانية الاستهلاكية
ولفت الرجبي إلى أن جزءًا من المحتوى الفكري الذي يقدمه بعض المشاهير يفتقر إلى أبسط قواعد الإعلام وهي الموضوعية، مؤكدًا أن غياب التدريب الإعلامي يؤدي إلى إنتاج محتوى يرسخ ثقافة التفاهة، ويعزز النزعة الاستهلاكية والفردانية والرأسمالية المتعارضة مع القيم الأردنية والعربية والإسلامية والإنسانية.
الصورة المثالية للحياة وخداع الخوارزميات
وبخصوص الصورة "المثالية" التي يسوّقها المؤثرون عن حياتهم، أشار الرجبي إلى أن ذلك يرتبط بآليات عمل الخوارزميات التي تعزز المحتوى الأكثر إثارة للتفاعل، خصوصًا ما يمس العاطفة أو النقص لدى الناس.
وأوضح أن معظم المشاهد المعروضة هي تمثيل لا يعكس الواقع، مما يترك آثارًا سلبية على المتلقين، أبرزها عدم الرضا عن النفس، نتيجة المقارنة بين حياتهم العادية وصورة حياة مزيفة يعرضها المؤثرون.
بين التسويق والتضليل الرقمي
وبيّن الرجبي أن بعض المؤثرين يتعمدون صناعة محتوى مزيف لجذب الإعلانات، موضحًا أن الفرق بين "التسويق المشروع" و"التضليل الرقمي" يكمن في الإفصاح؛ فإذا أُشير إلى أن المحتوى إعلان، فهو تسويق مشروع، أما إخفاء العلاقة التجارية أو نشر معلومات كاذبة عمدًا فهو تضليل رقمي.
مقاطعة الجمهور للمشاهير وصمتهم عن غزة
وفي سياق آخر، أكد الرجبي أن أحد أبرز أسباب حملة الجمهور لمقاطعة بعض المشاهير هو صمتهم عن جرائم الاحتلال في غزة، حيث توقع الجمهور منهم أن يكونوا صوتًا للحق، إلا أن تقاعسهم شكل صدمة دفعت الناس إلى إلغاء متابعتهم.
وأشار إلى أن الخوف من الخوارزميات المنحازة لإسرائيل، وشروط بعض الرعاة الذين يمنعون الخوض في السياسة أو الدين، شكلا ضغوطًا على المؤثرين، إلا أن الرجبي شدد على أن "ما يحدث في غزة أكبر من أي مكاسب شخصية، والحياد في هذه القضية مخالف لكل المبادئ الوطنية والإنسانية والدينية".
التربية الإعلامية هي الحل
وختم الرجبي بالتأكيد على أن مواجهة المحتوى غير المفيد تتطلب تربية إعلامية شاملة تبدأ من التعليم والتثقيف والتدريب على التفكير الناقد والتحقق من المعلومات، مشددًا على دور المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام في بناء وعي مجتمعي قادر على التفاعل مع المحتوى المفيد وتجاهل ما سواه.
"المحتوى المثالي" لمشاهير السوشال ميديا يهدد القيم
من جهتها، حذّرت الأخصائية النفسية والتربوية الدكتورة مرام بني مصطفى من خطورة ظاهرة "المحتوى المثالي" الذي يقدمه مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، معتبرة أنه يشكّل تهديدًا مباشرًا على القيم النفسية والاجتماعية، ويعمّق من مشكلات القلق والاكتئاب وضعف تقدير الذات لدى المتابعين.
التربية الإعلامية ودور الأسرة
وأشارت بني مصطفى في حديثها إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تبدأ أولًا عبر تكثيف دور الإعلام بكافة وسائله المرئية والمسموعة والإلكترونية، إلى جانب إدماج التربية الإعلامية في المدارس والجامعات، بهدف تعزيز وعي الأجيال الجديدة ومنع انجرافهم وراء المحتوى غير الهادف.
وأكدت على أهمية دور الأسرة في توجيه الأبناء نحو استخدام متوازن وفعّال للتكنولوجيا، مشددة على ضرورة إطلاق حملات وطنية توضح أن الصور المثالية التي يعرضها المؤثرون ليست سوى أدوات تجارية لجذب الانتباه.
تهديد للقيم والهوية
وحذرت بني مصطفى من أن استمرار هذه الظاهرة بلا رقابة يهدد بـ تشويه القيم التربوية، إذ يعزز قيم المظاهر على حساب الجد والاجتهاد، ويعمّق الفجوة الاجتماعية بين الطبقات.
وبيّنت أن ذلك قد يقود إلى تفكك اجتماعي وتراجع الإنتاجية، إضافة إلى تهديد الهوية الثقافية من خلال تبني أنماط سلوكية بعيدة عن بيئتنا وقيمنا المحلية.
لماذا يتمسك الجمهور بالمحتوى المثالي؟
وعن أسباب متابعة الجمهور لهذا النوع من المحتوى رغم إدراكهم لزيفه، أوضحت بني مصطفى أن أبرزها يكمن في الفضول الاجتماعي، و"الخوف من فوات الشيء" (FOMO)، إضافة إلى التأثير الجمعي حيث يميل الأفراد إلى تقليد ما يتابعه الآخرون. كما يلجأ بعض الشباب لهذه الحسابات بدافع التسلية أو لاعتقادهم أنها قد تمنحهم فرصًا لتطوير حياتهم.
انعكاسات نفسية خطيرة
وأكدت بني مصطفى أن هذه المقارنات المستمرة بين الواقع البسيط وصور حياة الرفاهية التي يروجها المشاهير تولّد شعورًا بعدم الرضا عن الذات، وتفاقم مشكلات القلق والاكتئاب، وتضعف تقدير الذات.
وأضافت أن الجمهور كثيرًا ما يغفل عن حقيقة أن ما يعرض ليس سوى محتوى مصطنع هدفه تضخيم صورة المؤثر وزيادة التفاعل والإعلانات.
العولمة الرقمية والقيم الاجتماعية
وختمت بني مصطفى بالإشارة إلى أن محتوى مشاهير السوشال ميديا غالبًا ما يتعارض مع المعايير الأخلاقية لمجتمعاتنا، حيث تقوم قيمنا الاجتماعية على البساطة والتواضع، في حين يركز هؤلاء على تضخيم الذات وإبراز المظاهر، وهو ما يعكس تأثير العولمة الرقمية التي فرضت أنماطًا سلوكية بعيدة عن ثقافتنا المحلية وهويتنا.
حياة "السوشيال ميديا" خادعة
وفي ظل الانتقادات المتزايدة لمحتوى مشاهير منصات التواصل الاجتماعي وصمت كثير منهم عن دعم غزة، اعتبرت إحدى الناشطات على مواقع التواصل أن ما يقدمه هؤلاء لا يعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي للجمهور، بل يقوم على إبراز "صورة مثالية" للحياة مليئة بالسيارات الفارهة والسفرات والماركات العالمية والمجوهرات، بهدف إثارة فضول المتابعين وجذب المزيد من المشاهدات.
صناعة الوهم لتحقيق الشهرة
وأوضحت الناشطة أن العديد من المؤثرين يتعمدون اصطناع هذه الصورة الافتراضية عبر استئجار سيارات أو منازل وتقديمها على أنها ملك لهم، مؤكدة أن الهدف الأساس هو تحقيق الشهرة والتفاعل وليس تقديم محتوى مفيد أو مؤثر.
تسويق أم تضليل رقمي؟
وعن تصنيف هذا المحتوى، بينت أن ما يقدمه المؤثرون يندرج في إطار السعي وراء الأرباح وليس بالضرورة تضليلًا سياسيًا متعمدًا، مشيرة إلى أن معظمهم يركز على زيادة المشاهدات والعوائد المادية دون اعتبار للقضايا الكبرى.
مقاطعة المشاهير: من الغرب إلى غزة
وبخصوص الحملات الشعبية لمقاطعة بعض المشاهير، أوضحت الناشطة أن الحملة الأولى قبل نحو عامين استُلهمت من الغرب وتركزت على عدم دعم قضية غزة، بينما الحملة الأخيرة جاءت نتيجة عاملين مجتمعين: ضعف المحتوى الذي يقدمه هؤلاء، وتقاعسهم عن التفاعل مع ما يجري في غزة.
المكاسب المادية أهم من القضايا الإنسانية
وأشارت إلى أن سبب إحجام كثير من المؤثرين عن دعم غزة يعود إلى اعتقادهم بأن المحتوى الإنساني لا يجلب مشاهدات أو أرباحًا، بخلاف تغطية مناسباتهم الخاصة.
وأضافت أن بعض المؤثرين الذين دمجوا القضية الفلسطينية بمحتواهم، مثل تخصيص وصفات طبخ أو تنظيم حملات تبرع، حققوا تفاعلًا أكبر، في حين اكتفى آخرون بأساليب سطحية مثل ارتداء الكوفية أو الرقص على أنغام وطنية دون إدراك حقيقي لمعاناة الفلسطينيين.
خطر على وعي المراهقين والأطفال
وشددت الناشطة على أن ما يقدمه مشاهير السوشيال ميديا لا يرقى إلى أن يكون محتوى تربويًا أو تعليميًا يمكن أن ينعكس إيجابًا على فئة المراهقين والأطفال، الذين يشكلون النسبة الأكبر من المتابعين.
وأكدت أن العقوبة الحقيقية للمؤثرين يجب أن تأتي من الجمهور نفسه، عبر الامتناع عن متابعة الحسابات التي تقدم محتوى فارغًا، لافتة إلى أن دور القانون يقتصر على الحالات التي يتضمن فيها المحتوى إساءة مباشرة أو تحريضًا على سلوكيات غير مقبولة.
واختتمت بالقول إن "حياة السوشيال ميديا خادعة وغير حقيقية"، معتبرة أن صناعة الوهم باتت سمة أساسية عند عدد كبير من المؤثرين، وأن وعي الجمهور وتفاعله الواعي هو السبيل الأنجع لتصحيح المسار ومواجهة هذه الظاهرة.