كيف تبدو ملامح نظام التوجيهي الجديد؟

نبض البلد -

خبراء تربويون: فرصة لإعادة هيكلة التعليم ومخاوف من تعقيداته

المساد: مخاوف من تصاعد حراكات مجتمعية بعد نتائج التوجيهي الجديد

درويش يدعو لاختيار التخصص من الأول الثانوي وعدم الانتظار حتى السنة الثانية

 

الأنباط – شذى حتاملة

 

بدأت وزارة التربية والتعليم، اليوم الخميس، بتطبيق نظام التوجيهي الجديد لأول مرة على طلبة الثانوية العامة، في خطوة تُعد من أبرز التحولات في مسار التعليم الثانوي بالمملكة. ويهدف النظام الجديد، الذي يُطبق اعتبارًا من مواليد 2008، إلى توزيع المواد الدراسية على سنتين دراسيتين لتقليل الضغط النفسي على الطلبة، وتحسين قدرتهم على اختيار التخصص الجامعي المناسب لقدراتهم وميولهم.

وفيما ترى الوزارة أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في التوجيه الأكاديمي، يثير التغيير تباينًا واسعًا في الآراء بين التربويين والخبراء، الذين حذر بعضهم من أن النظام الجديد يحمل في طياته تحديات قد تُفضي إلى احتجاجات مجتمعية لاحقًا، إلى جانب أعباء نفسية ومادية إضافية على الطلبة وأسرهم.

 

المساد: التوجيهي الجديد ابتعد عن هدفه الأساسي

وقال مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقًا، الدكتور محمود المساد، إن جوهر تطوير نظام التوجيهي يجب أن يُبنى على تحقيق أهداف التعليم، وليس مجرد اختبار للقبول الجامعي، مشيرًا إلى أن النظام الحالي لا يقيس كفاءة النظام التعليمي، بل يُحدده القبول الجامعي وإجراءاته وشروطه.

وأكد المساد أن الهدف من النظام التربوي يتمحور حول بناء شخصية متوازنة معرفيًا ونفسيًا واجتماعيًا، وتنمية مهارات التفكير، ولا سيما النقدي والتكنولوجي، إضافة إلى غرس القيم والانتماء، وهو ما لم يتحقق حتى الآن في نظام التوجيهي، الذي بقي يركز على الحفظ والضغط النفسي والتوتر العام.

وأشار إلى أن تقديم الامتحانات على سنتين لم ينجح في تقليل التوتر، بل زاد من مخاوف الطلبة وأسرهم بشأن اختيار التخصص الجامعي، واحتمال عدم قبولهم فيه، مما يفتح الباب أمام إعادة الدراسة لعام إضافي، ويزيد من الأعباء المالية والنفسية.

وانتقد المساد بعض تفاصيل النظام، مثل ترك مادة الرياضيات اختيارية، وحجب قبول الطالب في تخصص غير الذي اختاره مسبقًا، ما يحدّ من فرصه المستقبلية، مؤكدًا أن العدالة الاجتماعية في النظام ما تزال غائبة بسبب الفوارق بين الطلبة من حيث البيئة الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.

وحذر من أن تطبيق النظام على دفعة 2008 قد يؤدي إلى موجة تذمر واسعة بعد إعلان النتائج، خاصة لمن لم يُقبلوا في التخصصات التي اختاروها، رغم تحقيقهم لمعدلات مرتفعة. كما نبه إلى ظاهرة لجوء الطلبة إلى الدروس الخصوصية وبطاقات التعليم المدفوع عن بُعد، ما يشكل عبئًا ماليًا إضافيًا على الأسر وناقوس خطر للوزارة.

درويش: تقسيم التوجيهي على سنتين يضاعف الضغط

من جانبه، أوضح الخبير التربوي محمود درويش، أن النظام الجديد يمنح الطلبة فرصة أكبر لاختيار التخصص المناسب، ويقسّم الدراسة إلى مرحلتين؛ الأولى تشمل أربع مواد مشتركة (اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، التربية الإسلامية، وتاريخ الأردن) تشكل 30% من المعدل العام، فيما تُخصص السنة الثانية لدراسة أربع مواد تخصصية تشكل 70% من المعدل.

وبيّن درويش أن توزيع العلامات في السنة الأولى يشمل أسئلة موضوعية ومقالية، وتُمنح كل مادة نسبة مئوية محددة: 10% لكل من اللغتين، 6% للتربية الإسلامية، و4% للتاريخ.

وأشار إلى أن الطالب يختار تخصصه الأكاديمي مع بداية السنة الثانية، مع منحه فرصة لتعديل اختياره حتى مطلع أيلول، إلا أن كثيرًا من الطلبة قد يُعيدون النظر في خياراتهم بعد نتائج السنة الأولى، ما يعكس الحاجة إلى توجيه مبكر منذ الصف الأول الثانوي وليس تأجيل القرار.

ورغم الإيجابيات التي يتيحها النظام الجديد، أكد درويش أن تقسيم الدراسة على عامين يضاعف الضغط النفسي والتعليمي على الطلبة وأسرهم، بدلًا من سنة واحدة من التوتر، ما يؤدي إلى حالة من الإرهاق المستمر.

وأضاف أن الكلفة المادية للتعليم لم تنخفض، بل امتدت لعامين، حيث لا يزال الطلبة بحاجة إلى الدروس الخصوصية، لافتًا إلى أن المعلمين أنفسهم بحاجة إلى تدريب معمق على آليات التدريس الجديدة، خصوصًا في المواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء، التي قد لا يكمل بعض الطلبة تخصصاتهم فيها لاحقًا.

 

كتب مرهقة ونظام جامد

ولفت درويش إلى أن بعض الكتب الدراسية أصبحت تتضمن محتوى عامين في كتاب واحد، مثل اللغة العربية، ما يجعل من الصعب على الطالب استيعابها أو على المعلم تغطيتها بكفاءة. وأشار إلى وجود مفارقة في عدد الدروس الكبير مقابل اختبار الطلبة بعدد محدود جدًا من الأسئلة.

كما انتقد النظام الجامد في ربط تخصص الثانوية بالتخصص الجامعي، حيث يُمنع الطالب من الانتقال إلى تخصص آخر في حال غيّر رأيه، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات دون توفر مقاعد مناسبة لها، والعكس بالعكس.

واختتم درويش حديثه بالقول إن النظام لا يزال في بداياته، ومن غير الممكن الحكم عليه بشكل نهائي قبل عدة سنوات من التطبيق والتقييم الميداني. "هناك إيجابيات، كما أن هناك ثغرات واضحة، لكن الحكم الحقيقي يجب أن يأتي بعد تجربة متكررة وتعديلات متدرجة"، مشددًا على أهمية إشراك المعلمين والطلبة وأولياء الأمور في تقويم التجربة وتقديم التغذية الراجعة.