أرباح السوشال.. تهديد للوظائف التقليدية أم مرحلة مؤقتة؟

نبض البلد -

 

الرجبي: لا توجد مؤشرات حقيقية على أن المنصات ستعتمد نموذج راتب شهري ثابت

البشير: تطور أدوات منصات التواصل الاجتماعي ساهم في خلق مصدر دخل حقيقي

الدهون: الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر دخل يخلق مخاطر نفسية

 

الأنباط – آية شرف الدين

 

في عصر الرقمنة المتسارع، باتت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد منصات ترفيه وتواصل، إذ تحولت إلى مصدر دخل للآلاف حول العالم، وفرضت نفسها كبديل محتمل عن الوظائف التقليدية، خاصة لدى فئة الشباب والمراهقين.

هذا التحول أثار جدلاً واسعًا حول استقرار هذا النمط من الدخل، ومدى تأثيره على سوق العمل والتعليم والهوية الاجتماعية، بل وحتى على الصحة النفسية.

فهل أصبحت "السوشال ميديا" فعلاً تهدد الوظائف التقليدية؟ أم أنها مجرد مرحلة مؤقتة من الانبهار الرقمي؟

 

مصدر دخل غير مضمون

ويرى د. محمود الرجبي، أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة الشرق الأوسط، في حديثه لـ"الأنباط"، أنه لا يمكن القول إن جني الأرباح من وسائل التواصل الاجتماعي يغني كليًا عن الوظائف التقليدية، رغم أنها باتت تشكل مصدر دخل مهمًا لبعض المؤثرين، مشيرًا إلى أن نسبة من ينجحون في التحول إلى مؤثرين يحققون دخلاً كبيرًا هي نسبة ضئيلة جدًا وتعتمد على عوامل غير واضحة، تحكمها خوارزميات المنصات، والتي يمكن أن تتغير في أي لحظة.

ولفت الرجبي إلى أن جمهور المنصات الرقمية "ملول" ويفتقر للولاء الثابت، ما يعني أن المؤثر يمكن أن يفقد ملايين المتابعين أو حتى حسابه بالكامل في لحظة، خاصة إن خالف سردية المنصات الكبرى أو تطرق لقضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية، التي لا تحظى بتعاطف كافٍ من الغرب، بحسب تعبيره.

ويؤكد الرجبي أن غياب نموذج "الراتب الشهري الثابت" لدى المنصات الرقمية، واعتمادها على الحوافز المرتبطة بالمشاهدات والتفاعل، يجعل الدخل غير مستقر. ويضيف أن بعض المنصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك" أطلقت برامج تمويل، لكنها تظل مشروطة وغير كافية للاعتماد عليها كدخل شهري مستدام.

 

ترويج للمحتوى التافه

وحول المعايير الأخلاقية للمحتوى المنتشر على المنصات، يرى الرجبي أن الخوارزميات تروّج غالبًا للمحتوى الترفيهي أو المثير للجدل، على حساب المحتوى العميق والملتزم بالقيم الأخلاقية، ما يمنح صورة غير حقيقية عن أولويات المجتمع. ودعا إلى ضغط جماعي عربي ودولي لإجبار هذه المنصات على تعديل خوارزمياتها لصالح المحتوى الهادف.

وأشار إلى حالات مبالغة في الاستفادة المادية من المنصات، مثل مؤثر أردني حصل على غرفة نوم بقيمة 9 آلاف دينار مجانًا، ورفض استلامها قبل حصوله على غرفة مماثلة لصديق ومبلغ مالي، واصفًا ذلك بـ"المفارقة الرقمية العجيبة".

 

اقتصاد الظل

من جانبه، وصف المحلل الاقتصادي محمد البشير أرباح المؤثرين بأنها جزء من "اقتصاد الظل"، غير المسجل رسميًا، مما يصعب قياسه بدقة. وأكد أن تطور أدوات التواصل ساهم في خلق مصادر دخل حقيقية لبعض المستخدمين، لكنه لم يؤثر فعليًا على الاقتصاد العام الذي لا يزال يرزح تحت ضغوط الفقر والبطالة.

ويرى البشير أن هذا النوع من الدخل لا يوفر الاستقرار المالي المطلوب، ويصلح فقط كمرحلة مؤقتة أو مكملة للوظيفة، خاصة للشباب غير المرتبطين بمسؤوليات مالية.

في ختام حديثه، شدد الرجبي على أن تحقيق دخل كبير من المنصات الرقمية ليس مستحيلًا، لكنه صعب ويتطلب عملًا شاقًا واستثمارًا في الإعلانات ومتابعة دقيقة للخوارزميات.

ودعا الشباب إلى التركيز على الأعمال الواقعية وعدم الاعتماد فقط على الانتشار الرقمي، قائلاً: "عندما تهب الريح، اغتنمها.. لكن لا تنتظرها طويلاً."

 

آثار نفسية واجتماعية

من جهته، حذر المرشد النفسي والتربوي محمد عيد الدهون، من أن ترك الدراسة أو العمل التقليدي لصالح السوشال ميديا يحمل مخاطر عديدة على الشباب، أبرزها ضعف التحصيل العلمي، وغياب المهارات التي تؤهلهم لوظائف مستقرة في المستقبل.

كما نبه الدهون إلى آثار نفسية محتملة مثل القلق من عدم الاستقرار المالي، العزلة، الإرهاق، المقارنة السلبية، وفقدان الهوية، مؤكدًا أن هذه الحالة تتطلب خطة مالية مدروسة، وشبكة دعم نفسي واجتماعي متينة.