كيف استحوذ الإسلاميون على الفضاء الثقافي؟

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

الهيمنة الثقافية التي مارستها جماعة الإخوان المسلمين المنحلّة طوال العقود الماضية لن تختفي آثارها ببضعة قرارات حكومية؛ لأن الأفكار لا يدفعها إلا الأفكار، ومن المؤسف أن كافة القوى السياسية استسلمت أمام نجاح الإسلاميين في الانفراد بتشكيل الوعي المجتمعي وإدارته. قد يكون من المفيد تقييم نتائج ذلك للوصول إلى تفسيرات معمّقة للعديد من الظواهر السياسية والدينية المنتشرة على المستوى المحلي، ولكن الأهم من ذلك هو البحث عن أسباب عجز القوى والتيارات السياسية عن إنتاج "البضائع الفكرية" وترويجها، فبعضها نشأ في سياقات نخبوية مغلقة متعالية عن الواقع الوطني، بينما اكتفى بعضها الآخر بالعمل في خدمة مشاريع إقليمية وترديد شعارات مستهلكة انتهت صلاحيتها حتى في البلاد التي تبلورت فيها. بينما ركزت الجماعة المنحلة طيلة فترة نشاطها في الأردن على بناء شبكات تعليمية واقتصادية واجتماعية وسياسية، لتنجح في تثبيت جذورها في أعماق المجتمع الأردني.

صحيح أن فرض الأحكام العرفية عام 1957 وحظر الأحزاب السياسية سهّل على جماعة الإخوان المسلمين المنحلة الاستحواذ على المجال العام والتأثير الحاسم فيه، إلا أن ذلك لا يُبرر استمرار عجز الأحزاب عن المبادرة الفكرية حتى بعد عودة الحياة السياسية قبل أكثر من ثلاثة عقود.

رغم فشل الأحزاب السياسية المختلفة في إنتاج مشاريع ثقافية متماسكة قادرة على منافسة ما يقدمه الإسلاميون من أفكار وتصورات وقناعات للمجتمع الأردني بشكل مباشر أو غير مباشر، قامت الحكومات المتلاحقة بالحد الأدنى من واجباتها في الشؤون الفكرية والثقافية، وهو ما ترك فراغًا كبيرًا استغلته جماعة الإخوان المسلمين المنحلّة بذكاء ومرونة. فبينما اكتفت الدولة بإدارة الشأن الثقافي بمنطق البيروقراطية، تحركت الجماعة المنحلة في المساحات الرمزية والاجتماعية، مستثمرة في التعليم، والخطاب الديني، والعمل الخيري لبناء شبكة تأثير واسعة تجاوزت حدود السياسة التقليدية، ونتيجة ذلك، هي وجود قواعد اجتماعية صلبة تتعاطف معها حتى عند ثبوت ارتكابها لجرائم ومخالفات للقانون، لا بسبب الاقتناع بسلوكها السياسي، بل هو حصاد سياسة طويل الأمد عملت على تنفيذها الجماعة، لتتحصن داخل الوجدان الشعبي، وتعيد تعريف ذاتها بوصفها مرجعية أخلاقية ودينية واجتماعية لا يمكن المساس بها دون إثارة ردود فعل جماهيرية واسعة، لا مجرد تنظيم سياسي مُعفى من الحصانة ويخضع للقانون كأي كيان سياسي آخر.

في الختام هذه ليست دعوة لإجراء انقلاب على المنظومة الثقافية السائدة، ولكنها محاولة للبحث في جذور تشكُّلها على النحو الذي جعلها تمنح جماعة الإخوان المسلمين المنحلّة نفوذًا وتأثيرًا كبيرين في الوعي الجمعي والمشهد الثقافي.