ورقة علمية بـ عنوان
الأنباط – خليل النظامي
تشهد بيئة العمل الصحفي في العالم لا سيما الأردن تحولات جذرية جراء مخرجات الثورة الرقمية والتكنولوجية، وتزايد الاعتماد على تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي، والتداخل المتسارع بين العمل الصحفي المؤسسي ومنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة.
هذه التغيرات شكلت تحديا مباشرا لـ الضوابط المهنية والأخلاقية التي تحكم عمل الممارسة الصحفية، والتي تحتكم الى ميثاق الشرف الصحفي الأردني والمعتمد منذ عام 2003.
وبـ العودة الى تأسيس هذا الميثاق نجد أن تشكل وبني في بيئة إعلامية كانت تقليدية في معظم أدواتها ومنصاتها ومؤسساتها، وهو ما انعكس على طبيعة مواده ومفاهيمه، إلاّ ان ظهور ملامح الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي والتطورات التي حصلت تباعا على الممارسة الصحفية، فرضت علينا واقعا جديدا يستدعي مراجعة شاملة لبنود الميثاق كافة.
ومن الواضح أن ميثاق الشرف الصحفي الحالي لم يتم تحديثه منذ سنوات طويلة، الأمر الذي يجعله عاجزا عن الاستجابة الفعلية لـ تحديات الصحافة الرقمية، وصحافة الذكاء الاصطناعي، وبالتالي ظهور فجوات أخلاقية ومهنية في التعامل مع القضايا المستجدة على الساحة كـ التضليل الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والخصوصية الرقمية.
وفي ضوء ذلك أقدم هذه المراجعة المنهجية كـ ورقة علمية هدفها تحليل درجة ومدى مواكبة الميثاق الحالي لـ التحولات والتطورات الرقمية والذكاء الاصطناعي التي طرأت على الممارسة الفعلية لـ العمل الصحفي، إضافة الى اقتراح مجموعة من التعديلات والاضافات البنيوية على بنوده، بما يكفل ويضمن حماية المهنة وتعزيز ثقة الجمهور بـ المخرجات الصحفية والصحفيين، وتحصين المهنة رقميا.
وتاليا المواد الجديدة المقترح تعديها مع مبررات التعديل:
أولا: المادة رقم (7) والتي تنص على أن لـ "الصحفي الحق في الوصول إلى المعلومات والاخبار والاحصاءات التي تهم المواطنين ... ولا يفشي الصحفي عن مصادر أخباره السرية للناس أو لزملاء المهنة".
التعديل المقترح لـ المادة،، أن "يلتزم الصحفيون بحماية مصادرهم، وفي السياق الرقمي، عليهم اتخاذ تدابير رقمية تحمي بيانات المصادر وسجلات المحادثات من الاختراق أو التتبع، والامتناع عن استخدام أدوات تكنولوجية قد تؤثر على خصوصية المصدر دون موافقته."
مبرر التعديل: تتزايد مخاطر تعريض مصادر الصحفيين لـالانكشاف الرقمي، ما قد يعرضهم لـ الخطر، لهذا من الضروري أن يتضمن الميثاق التزام الصحفيين باستخدام وسائل وتقنيات حماية رقمية لضمان سرية وأمان المصادر، وحماية المهنة من الانتهاكات التقنية التي تؤثر على حرمة المعلومات.
ثانيا : المادة (9) والتي تنص على أن "رسالة الصحافة تقتضي الدقة والموضوعية وإن ممارستها تستوجب التأكد من صحة المعلومات والأخبار قبل نشرها،،، يلتزمون بتصحيح ما سبق نشره إذا تبين خطأ في المعلومات المنشورة...".
التعديل المقترح: إضافة "ويشمل ذلك التأكد من المعلومات المنتجة أو المعاد نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التي تصل الصحفيين من خلال مجموعات المحادثة والمنتديات الرقمية (واتس اب، تيلجرام)، إذ يخضع ذلك لمعيار التحقق المهني قبل إعادة النشر أو التفاعل."
مبرر التعديل: قد يتلقى الصحفيون معلومات غير دقيقة أو مضللة عبر وسائل تواصل غير رسمية، وعدم التحقق من هذه المعلومات يؤدي إلى نشر أخبار مغلوطة وفقدان ثقة الجمهور الملحي الأردني، وبالتالي يجب توسيع مبدأ الدقة ليشمل هذه المصادر الرقمية والتزام الصحفيين بالتحقق المهني الكامل قبل النشر.
المادة (12) والتي تنص علىأن "رسالة الصحافة مقدسة، لا تخضع للانتهازية أو الاستغلال الشخصي أو الافتراء أو التشهير المتعمد،،،، عدم الحصول على المعلومات أو نشرها من خلال استخدام أساليب ملتوية ووسائل غير مشروعة".
التعديل المقترح، إضافة "ويشمل الحظر استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتضليل الجمهور عبر عناوين مضللة أو صور توليدية غير موثقة، أو لصناعة شخصيات أو روايات وهمية بهدف التأثير على الرأي العام."
مبرر التعديل: تمثل تقنيات الذكاء الاصطناعي أداة قوية لإنتاج المحتوى، لكنها قد تستخدم لأغراض تضليلية مثل إنتاج مواد مزيفة أو معلومات ملفقة تستخدم لتشويه الحقائق والتأثير سلبا على الرأي العام، وعليه يجب أن يحظر استخدام هذه الأدوات لأغراض غير أخلاقية بما يضمن حماية المهنة من الانحراف والفساد المعلوماتي.
إضافة الى ذلك، اطرح واقترح إضافة بعض المواد التي من شأنها مواكبة هذا الميثاق لـ هذه الثورة ومخرجاتها لـ حماية المهنة تتمثل بـ ما يلي:
إضافة مادة تنص على أن "يلتزم الصحفيين الذين يعملون عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي بنفس المعايير المهنية والأخلاقية التي تحكم العمل الصحفي التقليدي، ويتوجب عليهم التمييز بين المحتوى الصحفي والمحتوى التفاعلي، وتجنب تضليل الجمهور أو الانسياق وراء الترند على حساب المصداقية".
ومادة أخرى تنص على أن "يلتزم الصحفيون بالإفصاح عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، لا سيما في حالات التوليد النصي أو الصوري أو الترجمة الفورية في موادهم الصحفية، ويمنع تمرير المواد المنتجة بالذكاء الاصطناعي دون تحقق أو تحرير بشري مهني، ويعد تقديم معلومات مفبركة أو محرفة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي انتهاكا صريحا لأخلاقيات المهنة".
أيضا اقتراح مادة تنص على أنه "تقع على عاتق الصحفي مسؤولية التحقق من صحة المواد المتداولة رقميا قبل النشر أو إعادة الترويج، بما يشمل الفيديوهات المفبركة(Deepfake)، والصور المعدلة، والمعلومات المضللة المنتشرة عبر وسائل التواصل، وأن يعد نشر أو إعادة نشر محتوى مضلل دون تحقق أو تنويه انتهاكا لميثاق الشرف".
أيضا إضافة مادة في غاية الأهمية تنص على أنه "يجب على الصحفي ووسيلته الإعلامية الإفصاح الكامل والواضح عن أي تمويل أو رعاية أو شراكة تؤثر على محتوى المادة الصحفية، سواء على الموقع الرقمي أو المنصات الاجتماعية التابعة للوسيلة، وأن يعد إخفاء التمويل أو الترويج المتخفي شكلا من أشكال التضليل وانحرافا عن الأمانة المهنية للممارسة الصحفية".
وحول الخصوصية الرقمية إضافة مادة توجب على الصحفيين الالتزام بـ" عدم انتهاك خصوصية الأفراد عبر تتبع حساباتهم الشخصية أو استعمال بياناتهم الرقمية دون إذن قانوني أو مبرر مهني مشروع، ويحظر نشر صور أو محادثات خاصة تم الحصول عليها بوسائل رقمية مشبوهة أو غير مشروعة".
وأخيرا، إضافة الى أنه يستوجب على نقابة الصحفيين مدونة سلوك الصحفي على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة تتضمن ؛ الفصل بين الرأي الشخصي والمحتوى المهني، وتجنب المهاترات الشخصية والإساءة لمصداقية الزملاء الصحفيين، والالتزام بأخلاقيات الردود والتفاعل والتعليقات العامة، إضافة الى عدم استخدام المنصات لتصفية حسابات شخصية أو التحريض ضد الآخرين، وتحميل الصحفي مسؤولية مهنية عن أي منشور يحمل صفته الصحفية أو يتصل بجمهوره الإعلامي.
إدخال هذه التعديلات المقترحة وتبني هذ المواد أمر سينكعس على واقع ممارسة الصحافة الرقمية وتطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وسيعزز من قدرة الصحفيين على مواجهة ظواهر التضليل الرقمي، وحماية المصادر، وضمان شفافية المعلومة، وصون خصوصية الأفراد، بما يعيد الثقة للجمهور ويدعم الاستقرار المهني للزملاء والمؤسسات الصحفية.