نبض البلد -
حاتم النعيمات
أكملت إسرائيل نشر الفرقة 96 من جيش الاحتلال في منطقة غور الأردن على الجانب الآخر للحدود مع فلسطين المحتلة، وسبق ورافق ذلك ممارسات سياسية وإعلامية إسرائيلية لتهويل الوضع الأمني على الحدود مع الأردن، وتحاول الحكومة الإسرائيلية الإيحاء أن نشر هذه الفرقة هدفه مواجهة "خطر إيراني" محتمل من الجهة الشرقية.
إسرائيل كيان بلا حدود مرسّمة فعليًا، وما يحدث بمحاذاة حدودنا هو مجرد "مناورة” لتبرير مشروع ضم الضفة الغربية، إذ لا يختلف اثنان على أن الهدف من نشر هذه القوات هو أولًا، إقناع الجزء المعارض لفكرة الضم من الرأي العام الإسرائيلي، وثانيًا، تعزيز صورة إسرائيل أمام حلفائها الغربيين ككيان مجبر على فتح عدة جبهات لاستجداء الدعم من قبل الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة.
الإسناد الإعلامي الداخلي لهذا التحرّك واضح في العديد من الروايات التي تُنشر في الصحف والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، وجوهر هذا الإسناد مكشوف، وهو السعي لتصوير الأردن كدولة ضعيفة يمكن اختراقها من قبل إيران، التي تعرّفها تل أبيب كأكبر مهدد لها، بالتالي، فإن تحشيد هذه القوة العسكرية والشروع بناء الجدار على طول الحدود مع الأردن، يأتيان – كما يدّعي الإعلام الإسرائيلي – تحت عنوان الصراع مع إيران، وليس تحت أي عنوانٍ آخر.
هذه الروايات ليست سوى بروباغندا فاشلة لن تؤتي أُكلها، لأن العالم "العاقل” يعلم جيدًا أن الأردن دولة راسخة، لديها جيش "خبير” ومتمكن، لم يحدث له أن هادن أو تراخى أمام أي خطر، ولعل ما تجاوزه الأردن من تحديات وأخطار على مدار 104 سنوات ليس سوى دليل قاطع على امتلاكه لقدرات عسكرية وشعبية وسياسية ودبلوماسية هائلة لا يمكن هزيمتها بأي شكل من الأشكال.
مواقع مثل (إسرائيل هيوم)، ووكالة (Jewish News Syndicate - JNS) الإخبارية، وموقع (Israel National News) أفادت بأن الفرقة التي تم نشرها ليست ذات طابع قتالي صريح، فهي وحدة احتياطية مشاة خفيفة متخصصة، تأسست مؤخرًا لتلبية احتياجات "أمنية استراتيجية” على الحدود الشرقية لإسرائيل، وتتألف من جنود احتياط تتراوح أعمارهم بين (38–58 عامًا)، جُلّهم من المتطوعين المحليين الذين يحتفظون بأسلحتهم ومعداتهم في منازلهم، بالتالي فالتهويل واضح ومكشوف.
وقد يقول قائل إن القوة الإسرائيلية العسكرية قد ازدادت بعيد السابع من أكتوبر، وهذا صحيح، لكن القوة العسكرية الأردنية تطورت أيضًا بشكل ملحوظ، والعوامل الاستراتيجية والجغرافية و”التاريخية” والتركيبية الاجتماعية لا تزال حاضرة في ذهنية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
بالتأكيد يوجد هناك في إسرائيل من يراجع التاريخ ويتدبّر الجغرافيا ويقرأ التطور العسكري الأردني وسُمك الطبقة الدفاعية الأردنية المرتبطة بتركيبة المجتمع القبلي، فلدينا عشرات المعارك التي انتصر فيها جيشنا منذ 1948، وآخرها معركة الكرامة الخالدة، التي كانت خاتمة المواجهات المباشرة، إذ تكبّد من خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، واستعاد فيها جيشنا وضعه الطبيعي بعد أن تحمّل غياب الإسناد الجوي للتحالف العربي (الغطاء الجوي) بداية حرب 1967.
لست بصدد التقليل من أهمية وجود هذه الفرقة على الجهة المقابلة لحدودنا الغربية، فنحن اليوم أمام إسرائيل جديدة تعيش نشوة "الانتصار” على عدة جبهات، ومن يراقب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، سواءً العسكريين أو المدنيين، فإنه سيلاحظ إعادة وتكرار عبارة "نحن نحارب على عدة جبهات”، لذلك فالمقصود أيضًا من نشر هذه الفرقة هو إشعار الولايات المتحدة والغرب بأن هناك خطرًا قادمًا من الشرق.
الواقع أن هناك ضغطًا داخل الضفة الغربية المحتلة على الفلسطينيين؛ حواجز، وحجز لأموال المقاصة عن السلطة الوطنية الفلسطينية، والعديد من الإجراءات التي تمارسها إسرائيل ضد أصحاب الأرض، وهذا دليل آخر على أن فرضية "أمن الحدود” مع الأردن التي تسوّقها إسرائيل هدفها التعمية على الهدف الأساسي، وهو ضم الضفة الغربية؛ فتكنولوجيا الرقابة الحدودية الموجودة لدى إسرائيل كافية لرصد أي حركة على الحدود، ولا داعي عملي فعلي لنشر فرقة كاملة.
ضم غور الأردن وشمال البحر الميت من الجهة الفلسطينية يعني إتمام نصف مشروع ضم الضفة الغربية، فمساحة هذه المنطقة تُقدّر بـ 2400 كلم² من مساحة الضفة الغربية المقدرة بـ 5800 كلم²، وذلك ببساطة لأن لهذا الضم أهدافًا على الصعيد الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي.
استراتيجيًا، فإن هذا الوجود على الحدود مع الأردن يمكن أن يتحول إلى مصدر لتبرير استبعاد حل الدولتين، حيث يُراد من ذلك الوصول إلى فصل جغرافي يضمن كفّ يد الأردن عن أي تدخل فيما يحدث في الضفة. أما اقتصاديًا، فإن هذه الإجراءات تعني السيطرة على أراضٍ زراعية غير مستغلة تقريبًا، ومصادر مائية، واستثمارات استيطانية في الزراعة والسياحة، وهذا بدوره سيضعف أيضًا أي أمل لفكرة الدولة الفلسطينية القابلة للبقاء. ولا بد هنا من التعريج على البواطن السياسية والقانونية لهذه التحركات، فضم الأغوار وشمال البحر الميت يعني فرض الأمر الواقع عبر إعلان المنطقة كمنطقة عسكرية (المنطقة ج)، بالتالي تقييد تنقل الفلسطينيين، والقضاء على اتفاقية أوسلو.
الموقف الأردني واضح وصلب، ويتمثل في رفض الضم والتهجير بشكل قطعي، وقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني عن هذا الموقف باللاءات الثلاث ولعدة مرات؛ فلا للتهجير، ولا للتوطين، ولا للوطن البديل.
هذه اللاءات الملكية قادمة من ثقة عميقة بحرفية وقدرات القوات المسلحة الأردنية، ومن متانة علاقة الأردنيين مع وطنهم وقيادتهم الهاشمية؛ أي أن حديث جلالته حمل في طياته الكثير من الحسم والحزم المرتكز إلى نظرة شاملة وعميقة للواقع الميداني والشعبي.