نبض البلد - الدكتور: محمود المساد
قبل أن نتحدث عن فخّ "التعليم الدامج" المنصوب؛ للإيقاع بأنظمة التعليم في دول العالم المستهلكة للفكر التربوي، ينبغي علينا التعريف بمفهوم هذا النوع من التعليم. فهو يعني أن يتعلم جميع الطلبة بمن فيهم الطلبة ذوو الإعاقة، على اختلاف أشكالها، في الصف نفسه، والمدرسة نفسها "مع اشتراط تصميم المعلم لخططه التدريسية التي تتواءم وقدرات الطلبة المتنوعة، وتلبي حاجاتهم المختلفة، كما تمكّنهم من إحراز التقدم المخطط له لكل منهم". لكن التنظير للمفهوم شيء، وواقع الحال شيء آخر. ولمّا كان هذا هو جوهر التعليم الدامج، فإن توضيح هذا الفخ يقتضي الوقوف على الآتي:
الأصل في طبيعة خلق الإنسان هو التفرّد، حتى التوائم نفسها تختلف فيما بينها؛ نتيجة استعدادات وراثية، وتأثيرات بيئية؛ لذلك، ليست المساواة وحدها تكفي في مراعاة الفروق الفردية، بل العدالة. وهنا يجدر بنا أن نؤكد على مفهوم ديمقراطية التعليم الذي يستند إلى العدالة، وذلك " بتقديم التعلم المناسب لكل فرد بحسب قدراته، وحاجاته، وسرعته في التعلم".
قبل تسعينات القرن الفائت، كان الطلبة الذين يستمرون في التعليم إلى ما يتجاوز مدرسة الحيّ، أو القرية، هم الطلبة ذوو القدرات العالية، والطموح الأعلى، ممّن تحملوا ظروف الحياة الصعبة، وأصرّوا على تحقيق أهدافهم في تحصيل العلوم، وإنتاج المعرفة. حيث صقلت هذه الظروف، وتلك الطموحات شخصياتهم، فغدت قوية وهم في أعمار صغيرة نسبيّا. ولأجل ذلك كان الطلبة، ومَن يعلمهم يَحظَوْن جميعا بمكانة اجتماعية لائقة ومرموقة، فكانوا مادة الوظائف الحكومية التي استمروا بالتعامل معها، وبها، في إطار رسالة التعليم المعجونة بالإخلاص، والأمانة، والاعتزاز.
ولمّا نادت منظمة اليونسكو بالتعليم للجميع، وتسابقت الدول على تطبيقه من أجل حق كل فرد "بتعليم جيد"، جاء التطبيق مقتصرًا على الالتحاق بالمدرسة، دونما تذكّر لشرط "جيد"، الذي يعني بصراحة التعامل مع كل طالب، وطالبة على أنه صفّ قائم بذاته، وأن لا يتم التعامل مع جميع الطلبة وكأنهم صفّ واحد، له الحاجات نفسها، ويتمتع بالقدرات ذاتها، ويتعلم بالأسلوب نفسه، وبالسرعة عينِها.
بهذا التطبيق القاصر في إلغاء الفروق الفردية بين طلبة المدرسة العادية التي تجمع ذوي القدرات العالية منهم، إلى جانب ذوي القدرات المتوسطة، والمتدنية، الذين يتعلمون في الصف نفسه، وبالأساليب ذاتها، ويختبرون في الأسئلة المشتركة نفسها في ذات الوقت المحدّد، يأتي إلحاق الطلبة ذوي الإعاقة بهذا المعترك التعليمي المتشابه الواحد بجميع جوانبه.
في السنوات الأخيرة، انبرت بعض الدول القوية التى لا تريد للدول المستهلكة للفكر – غَثّة، أوسَمينة - أن يتعلم أبناؤها وبناتها ما ينفعهم بالترويج لمفاهيم ومشروعات لا تعدو كونها فِخاخا، ومصائدَ تستهدف أنظمتها التعليمية تحت عناوين برّاقة من بينها: "مفهوم التعليم الدامج" الذي يضيف إلى الطلبة العاديّين جميعهم طلبة ذوي الإعاقة الذين هم في حاجة مُلحّة إلى رعاية ناظمة، وتعليم يلبي حاجاتهم الفردية بطرائقَ تعليميةٍ فعّالة؛ مع الإشارة إلى أن هناك عشرات الأساليب التي تحقق لهم حق التعايش مع أقرانهم، ومجتمعهم بصفة خاصّة. وهذا التطبيق غير المسؤول نسي في الوقت ذاته أن الدعم المالي لهذه المشاريع لا يسوّغ التخريب بمقدّرات الأمة، ورأس مالِها المستقبليّ!!
وهنا أود أن اقول ببراءة: بدلًا من ضمّ ذوي الإعاقة إلى الصف، علينا أن نفكر في قدرة المعلم على تدريس الصفّ الذي يخلو من المعاقين! وهل معلّمنا قادر على تدريس صفّ فيه أعمى، أو أصمّ؟ في وقت يتعثر فيه وهو يدرّس طلبة عاديّين!! هناك خطة عشرية للإدماج مضى منها أربع سنوات، ولم نتقدم فيها خطوة واحدة نحو تحقيق أهداف التعليم الدامج المعلَنة !! فهل هذا كافٍ لوِقفة تأمّل؟!!
حمى الله الأردنّ، وقيّض له من قادة مؤسّساته مَن ينفعه، ويعينه، ويحقق له طموحات قيادته المظفّرة.