عدم حبس المدين.. تقويض للتعاملات التجارية أم لتنظيمها؟

نبض البلد -

الدول التي تطبق هذا القانون تمتلك طرقًا بديلة لحفظ الحقوق أهمها منع الشراء والإيجار أو إخراج رخصة
الخصاونة: رهن الأموال المنقولة وغير المنقولة البديل الأقوى أمام القرار
أبو ديه: 40 مليار دينار حجم تداول الشيكات والقرار سيفقد الثقة بهذه الأداة المالية


الأنباط – مي الكردي

في وقتٍ يقترب به تنفيذ التعديلات على قانوني التنفيذ والعقوبات تماشيًا مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يمنع سجن المدين في حال العجز عن الوفاء بالالتزام المالي والذي صادق عليه الأردن، يجد الواقع المحلي نفسه أمام امتحان اقتصادي قانوني مركب يُعيد ترتيب نهج المعاملات المالية بين المواطنين وتحديدًا الأعمال التجارية، مجردًا الشيكات من الثقة.
ويعد قرار تنفيذ التعديلات على قانوني التنفيذ والعقوبات وليد أزمة جائحة كورونا وهو أحد أوامر الدفاع في تلك الفترة، لتُشير التقديرات الاقتصادية والقانونية إلى اعتباره في الوقت الراهن ضربة قاسية للاقتصاد الوطني دون خلق بدائل قانونية أو تشريعات كما هو الحال في باقي الدول.
ويشار إلى أن عدد الشيكات المتداولة في المملكة خلال العام الماضي بلغ 6,51 مليون شيك، وبقيمة بلغت 40,3 مليار دينار.
ويرى الخبير القانوني الدكتور صخر الخصاونة أن التعديل القانوني منح فرصة لأصحاب الحقوق بإجراء تسويات خلال السنوات الثلاث الماضية، حيثُ أن القانون يمنع حبس المدين مع تواجد فرصة للحجز ومنع السفر والحجز على الأموال المنقولة والغير منقولة، مؤكدًا أن فترة 3 سنوات كانت كافية لتصويب الأوضاع.
وأكد ضرورة تغيير نهج المعاملات المالية بين المواطنين وتحديدًا الأعمال التجارية بأن يكون الدفع نقدًا مع وجود ضمانات يرصدها الدائن للمدين، من خلال التأكد من وجود أموال كافية لسداد أموال المدينين.

ولفت الخصاونة إلى البدائل القانونية المتواجدة أمام القرار مثل وسائل الرهن، الدفع النقدي، وجود ضمانات، والكفيل، موجهًا إلى أن رهن الأموال المنقولة وغير المنقولة هي الأكثر قوة.
ومنذ تأسيس إمارة شرق الأردن كان قرار حبس المدين موجودًا والمواطنون اعتادوا على أنه تهديد وليس عقوبة، بل حبس تهذيبي للإجبار على السداد، بحسب الخصاونة، الذي أشار إلى أن قرار إلغاء حبس المدين أثر سلبيًا على أصحاب الحقوق.
وشدد الخصاونة على ضرورة إعادة النظر بالقرار ودراسة الأثر المترتب عليه، مُشيرًا إلى التقدم التشريعي على مستوى الأردن والدول العربية، حيثُ يجري اليوم العمل على دراسة الأثر للقرارات على الصعيد النفسي، الاجتماعي، الاقتصادي، والقانوني، مؤكدًا الحاجة إلى وجود دراسة حيادية تُبين حجم تأثر السوق بالقرار.
ولفت إلى تراجع عدد المطالبين بحقوقهم في المحاكم بالنظر إلى عدم وجود وسيلة تضمن إرجاع الحقوق، موجهًا إلى ضياع حقوق عدد من المواطنين نتيجة عدم وجود قانون يضمن تحصيل حقوقهم.
وأشار إلى أن أثر القرار سيكون سلبيًا أكثر مما هو إيجابي شاملًا قطاع العمل المصرفي والبنوك، حيثُ سيؤثر ذلك بالتقليل من القروض وزيادة الضمانات.
وأوضح أن القرار هو نص متعلق بالاتفاقات الدولية والتي تنص بأنه "لا يجوز حبس المدين"، والنص موجود في المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية والأردن مُصادق عليها.
وتابع الخصاونة أن الدول التي تطبق هذه القوانين تمتلك طرقًا بديلة لحفظ الحقوق أهمها "الإعدام المدني" وعدم القدرة على الشراء والإيجار أو إخراج رخصة، منوهًا إلى عدم امتلاك هذه الوسائل التي تجبر الشخص على الإفلاس المدني للسداد.
ومن الناحية الاقتصادية، أشار الخبير الاقتصادي مُنير أبو دية، إلى أن الحكومة لم تقم خلال السنوات الثلاث الماضية، التي أقرتها كمهلة، بوضع بدائل قانونية تسمح بحماية الدائنين، المستثمرين، والقطاعات الاقتصادية التي يتجاوز حجم تداولها للشيكات سنويًا 40 مليار دينار.
ولفت أبو دية إلى أن الحكومة السابقة التي جرى في عهدها هذه التعديلات والحكومة الحالية لم تستطيعا خلق بدائل قانونية او إقرار تشريعات لرفع الحماية الجزائية عن الشيكات، موضحًا أنه لم يبقَ عقوبة على إرجاع الشيك.
ودعا الحكومة إلى عدم ترك "الأمور على الغارب" دون وجود عقوبات رادعة لحماية المليارات المتداولة بالشيكات سنويًا، واصفًا القرار بالضربة القاسية للقطاعات الاقتصادية والمستثمرين والاقتصاد الوطني.
وأشار أبو دية إلى أن عدم وجود بدائل وخيارات لتحصيل الديون وإلزام المتعاقدين بالوفاء بالتزاماتهم سيُربك الاقتصاد ويضعه أمام تحديات جديدة أمام ظروف صعبة أساسًا، لافتًا إلى أنه مع قرب تطبيق التعديلات ستُفقد الثقة بالتعامل بالشيكات، الكمبيالات، والعقود التي تُبرم بين المواطنين سواء بالتمويل أو القروض.
وبين ضرورة تعديل المادة رقم 421 وعودة الحماية الجزائية للشيكات لحماية الاقتصاد الوطني، والدائنين، والمستثمرين تفاديًا لفشل العملية الاقتصادية والعودة إلى تعديل القوانين لاحقًا، منوهًا على أهمية الاستقرار التشريعي.
وفي سياق آخر، تطرق أبو دية إلى المستثمرين من خارج الأردن الذين ينظرون إلى هذا القانون ببالغ الأهمية بالنظر إلى عدم وجود حماية على ديونهم، الأمر الذي سيحد من استثماراتهم داخل الأردن.
ودعا الحكومة ومجلس النواب الذي في عهدته قانون العقوبات إلى التحرك بإعادة الحماية الجزائية للشيكات المرتجعة وعدم ترك الأمر دون عقوبات تُلزم بالوفاء، مُشيرًا إلى أن التهرب من دفع الدين سيصبح واسعًا وسيفقد ورقة الشيك الثقة، الأمر الذي سيسبب فوضى وتراجعًا بالاستثمار.
وأكد أن الحكومة لم توجد بدائل كالإعدام المدني والنقاط الائتمانية كالدول التي تطبق هذا القانون، حيثُ ترتبط دول العالم بشبكة متصلة بكافة الجهات الحكومية والخاصة بما يتعلق بهذا الأمر.
ونوه إلى أن أغلب المدينين يقومون بتهريب أموالهم ما يعني عدم وجود أموال للحجز عليها وستحتاج القضايا بحقها سنوات.
وختتم أبو دية حديثه بنصيحة الحكومة ومجلس النواب بإلغاء التعديلات على قانوني العقوبات والتنفيذ وبقائها واضحة، في سبيل تجنب الدخول في مأزق اقتصادي يكشف عدم نجاح التجربة والدخول في أزمة اقتصادية جديدة تعصف بالاقتصاد الوطني.