عمرو الخصاونة

ماذا عن سوريا بعد السابع من أكتوبر؟

نبض البلد -
عمرو خصاونه

 
يبدو أن السابع من أكتوبر يوم لم يغير ما يحدث في غزة و فلسطين التاريخية و حسب، بل غير العالم بشكل كامل، فقواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط قد تغيرت إلى الأبد بعد قرار حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين "حماس" شن هجوم مفاجئ على إسرائيل العام الفائت و الذي غير معادلة الأمن الإقليمي للأبد، فما كان يعتبره الإسرائيليين أمرا مفروغا منه من حيث أن القبة الحديدية لا يمكن إختراقها و أن أقصى ما يمكن أن تحققه حماس في مواجهاتها العسكرية مع إسرائيل هو أسر جندي أو أثنين على الأكثر قد تغير و إلى الابد، هذا التغير في معادلة الأمن الإقليمي جعل إسرائيل تغير من طموحاتها أيضا فنراها الآن تقصف في أماكن أخرى غير غزة و لبنان مثل سوريا، و لكن ما تأثير السابع من أكتوبر على الجارة الشقيقة سوريا و ما هي تبعاته على علاقتها مع حماس و على الوجود الإيراني هنالك و ما هو حجم الكارثة الإنسانية التي تسبب بها القصف الإسرائيلي في لبنان على سوريا التي تنزف أصلا.
العلاقة بين حماس و النظام السوري علاقة ليست بالجيدة منذ أن وقفت حماس بجانب معارضي النظام السوري خلال فترة الربيع العربي، هذا الموقف الذي أخذته حماس بعد علاقة قوية كانت تربط الطرفين، النظام السوري و حماس، حيث أن دمشق كانت قد استقبلت حماس بعد تصفية كل أعمالها في الأردن عام 1999، حيث كانت تسمح سوريا لحماس بإطلاق كافة أشكال التصريحات من دمشق و تدريب مقاتليها على الأراضي السورية.
يتخذ النظام السوري ما يسمى بالدبلوماسية الصامتة منذ بدء حرب السابع من أكتوبر و يمكن أن نعزوا هذه الإستراتيجية إلى ثلاث أسباب، الأول هو أن النظام السوري يبدوا مترددا في دعم حماس التي وقفت إلى جانب الثورة السورية في بداياتها عام 2011، ضد النظام السوري، الثاني أن النظام السوري ما زال عالقا في جهود إعادة لملمة أوراقه بعد الحرب السورية الدامية و من غير المتوقع أن يكون قادرا على ممارسة سياسة خارجية فعالة فيما يتعلق بمواضيع تخص ما هو خارج حدوده، السبب الثالث هو أن تحالف النظام السوري الأوثق مع طرف غير عربي و هو إيران يصعب عليه أن يكون فعالا في مدار الفعل العربي حتى بعد عودته إلى الجامعة العربية في مايو 2023.
أما فيما يتعلق بإيران فقد باتت تستعمل الأراضي السورية لبسط نفوذ إقليمي واسع يمتد من طهران إلى بيروت مما يحفز جيش الإحتلال على ضرب أهداف إيرانية في الداخل السوري القريب منها، حيث أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أحصى منذ مطلع عام 2024، ما يقارب ال95 مرة قامت خلالها إسرائيل بإستهداف الأراضي السورية، 78 منها جوية و 17 برية و تسببت تلك الضربات بمقتل 250 من العسكريين و إصاب 176 آخرين منهم بجراح متفاوتة، 24 منهم قتلى من الجنسية الإيرانية.
و لا يبدو أن الوجود الإيراني في سوريا سيتأثر بشكل كبير في المستقبل المنظور حيث أن سوريا تمتلك مع حزب الله "المدعوم إيرانيا" و إيران نفسها علاقات إستراتيجية أيدولوجيا و سياسيا و إقتصاديا و عسكريا حيث أن الأرقام تقول أنه من ضمن ال 830 قاعدة عسكرية في سوريا يوجد 70 بالمائة منها لإيران، و من غير المتوقع أيضا أن تشكل عودة سوريا إلى الجامعة العربية أي تغيير في خريطة التحالفات العربية العربية فيما يخص سوريا، حيث أن النظام في إيران هو من أنقذ النظام السوري إبان أزمته في فترة الربيع العربي و ستبقى هذه الحقيقة هي العامل المحدد لطبيعة التحالفات بين سوريا و الدول الأخرى العربية.
أما إنسانيا، فقد نزح مئات الألاف من اللاجئين السوريين و اللبنانيين من لبنان نحو سوريا إبان الضربات الجوية الإسرائيلية على لبنان بعد السابع من أكتوبر، حيث أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر بأنه منذ السابع من أكتوبر حتى أكتوبر 2024، نزح ما يقارب 425,000 إنسان من لبنان إلى سوريا، المثير للجدل في هذا الأمر أن سوريا تبدو لهذا العدد الكبير من البشر أكثر أمانا من لبنان التي تعاني من أزمة إقتصادية هائلة أصلا.
و كان قد صرح الكثير من مؤسسات حقوق الإنسان بأن السوريين العائدين إلى سوريا قد يعانون على ما يبدو من تسلط السلطات السورية عليهم من إعتقال و تعذيب و إخفاء قسري ممنهج و الغريب حسب المؤسسات نفسها أن بعض القادة الأوروبيين يحاججون بأن سوريا باتت آمنة لعودة اللاجئين من لبنان إليها، من الجدير بالذكر أن من بين مئات الألاف من النازحين الذين نزحوا إلى سوريا هنالك 71% من السوريين و 29% من اللبنانيين.
كل ما سبق يشير إلى أن سوريا و إن كانت خارج مدار الفعل المباشر فيما يخص السابع من أكتوبر و لكنها قد تأثرت بشكل غير مباشر جراء هذه الحرب، فعلاقة سوريا المتوترة مع حماس جعلتها تبقى صامتة إلى حد كبير خلال هذه الأزمة، حتى و إن كانت قد تحسنت بواسطات من حزب الله بعد ذلك، و أن النفوذ الإيراني في سوريا و الذي يأخذ شكل قواعد عسكرية سبب لسوريا التعرض لضربات عسكرية مباشرة، و يبقى السؤال الذي يعبر عن الهم الأكبر في دراسة تأثر سوريا في حرب السابع من أكتوبر هو عن مصير مئات الألاف من النازحين السوريين و البنانيين الذين نزحوا إلى سوريا و هل ستمارس عليهم السلطات السورية أي نوع من التعذيب أو الإعتقال أو الإخفاء القسري.