هل نحن السبب ...

نبض البلد - إبراهيم أبو حويله

وقد تظن أن الإبتلاءات صبت صبا على الشعوب العربية والمسلمة السوري والفلسطيني والعراق واليمن وتركيا وغيرها ، ولكن الحقيقة أن هناك سنن في الأرض لا تحابي أحداً ، وإن قمت بتكرار الفعل ألف مرة ستكون النتيجة واحدة لن تتغير ، مهما ظننت أنها ستتغير فإن ظنك لا يغني من الحق شيئا ، وهي لن تتغير .
سنن الله لا تحابي أحداً ، لن تظلم أمة ولن تكون خاصة بأحد .
هل نحن السبب ؟
للأسف نعم وأقول للأسف لأننا نحن المسلمون خاصة في هذا الزمان لا نقرأ كتاب الله جيدا ولا نقرأ التاريخ ولا ندرس علم لإجتماع على أنه علم ، بل هو منهاج مدرسي ممل يدرس في المدارس ، وإن تم تغيير إسمه مرات عديدة لمنحه قليل من الجاذبية ، ورغم ذلك يكاد يختفي أيضا من الجامعات ، ناهيك عن التعمق في دراسة الفلسفة فهي مرتبطة من نواحي كثيرة بفهم العقل البشري وطبيعته وطبيعة تصرفه وعلم الإجتماع ، والبعض ما زال يصنفها على انها كفر وإعراض عن الدين ، وإن كنت أتبنى هذا الرأي سابقا ، ولكن إتضح لي أنها من أبواب الدين العريضة ، التي قد تساهم بشكل أو أخر في جعلنا نفهم كلمات الله وآياته وسننه في كتابه بصورة منهجية قابلة للتطبيق ، وإن كانت الفلسفة تحمل سلبياتها أيضا ، ولكن إذا كانت ستحرر العقل العربي الذي يعاني من نفس الأعراض مع العقل المسلم ، وتحررهما معا مما وقعا فيه من السلبية والإتكالية والعجز ، فلم لا نطرق بابها علّ وعسى تنهض هذه الأمة.
هل تقصد أن الشعوب هي السبب فيما وقع لها وأنها المسؤولة عن هذه النتائج ؟
وإن كنت أفرّ من هذه الإجابة إلى سنة من سنن الله هي إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإن كانت هذه الإجابة لا تحمل القول بالتأكيد ولا النفي ، لأننا لا نستطيع الجزم بذلك ، ولكن ما أدين به أن الأخطاء المقصودة والغير المقصودة في فهم السنن وتطبيقها تؤثر على المجتمع ، وتدفع المجتمعات ثمنا لهذه الأخطاء لأن من سمات السنن أنها تتداخل وتؤثر بعضها على بعض ، وما أريد الوصول إليه هنا هو أن من السنن أن نعد القوة وأن تكون القوة جاهزة لدفع التدافع بين البشر ، فمن السنن التدافع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) فعند فهم هذه السنة لا بد من إعداد القوة ، وهنا لا تكون القوة هي قوة عسكرية فقط ، لأن الكثير من المجتمعات سقطت بسبب الوهن والضعف الداخلي .
وهل السنن الإجتماعية محكومة بسنن وهي علم وهي مسببات ونتائج ؟
المعنى قد يكون الضعف الداخلي أكثر وأكبر مؤثر في إنهيار الحضارة أو المجتمع ، وهناك أمثلة عديدة تعاونت فيها فئات كبيرة من المجتمعات مع المحتلين وسعت لإسقاط دولها لأسباب مختلفة ، وإن كانت هذه الإسباب أيضا من السنن ، فالعدل والمساواة والظلم والتسلط والترف الإسراف والتطاول على العباد وسلب الحريات بغير حق كل ذلك يجب أخذه في الإعتبار عند دراسة سبب سقوط هذه الحضارة أو المجتمع أو ذلك .
فعند سقوط دولة أو حضارة ولنأخذ مثلا الحكم العثماني الذي أثر على كل المنطقة وما نراه اليوم هو من نتائج هذا السقوط ، وأنا لا أقبل تسمية الحكم العثماني في أواخر أيامه بالخلافة لأن سمة الخلافة زالت عنه منذ زمن طويل ، ولكن هذا الحكم أتسم بالكثير من أسباب زواله في نهاية مدته ، فساد وتطاول وظلم وسلب للحريات وتجاوز على أموال الناس وأعراضهم وفرض الكثير من الضرائب والمكوس ، الكثير من القادة والحكام الذين ساهموا بخلق جو من العداء من خلال تصرفاتهم وظلمهم وتسلطهم على العباد ، ولذلك كان هناك جو عام من عدم القبول لهذا الحكم وكان من السهل على المستعمر الإنجليزي التجيش ضدهم وإن كان ما أتى به هو نتيجة أسوء للأسف ، ولأنه كان هناك الكثير من الأعداء من الداخل وهم على إستعداد للتعاون في سبيل التخلص من هذا الحكم سقط هذا الحكم .
وهذا ليس تقيما للدولة العثمانية ولكن فهما لطبيعة العلاقة ومكامن القوة والضعف هو فهم للسنة ، وما أريد الوصول إليه أن السقوط في الحقيقة كما الصعود يحمل أسبابه ، وليس من السهل إسقاط دولة أو مجتمع أو حضارة إذا كانت حريصة على فهم السنن وتطبيقها لإنها بصورة ما تكون أكثر تحصينا ، وهذا لا يعني أن هناك حضارة محصنة بشكل مطلق ، لأن دورات التاريخ تعلن بشكل مطلق أن الحضارات لها دورات ، وإن كانت تطول وتقصر زمنيا بحسب الفهم والتطبيق ، والإستعداد للتعلم والتطور والإستفادة من إخطائها ، ولكن البشر بشكل عام من سننهم أنهم ينسون السنن ويغفلون عن تطبيقها بعد فترة من العيش الرغيد والحكم السعيد ، وهذا يوقع الحكام والحضارات والدول والشعوب في دائرة الحضارة من الصعود إلى الهبوط .
وهل هناك مجموعات مختلفة من السنن ؟
نعم هناك سنن كونية مثل الخسوف والزلازل ، وهناك سنن إجتماعية سيادة العدل وزوال الظالمين والمترفين والفاسقين ، وهناك سنن فردية تتعلق بالإنسان من حيث كونه إنسانا وأسباب نجاحه وفشله ، وهناك مطالبة واضحة من الخالق بالسير في الأرض والتفكر والنظر والإعتبار حتى لا يكون الإنسان متعظا بنفسه بل متعظا بغيره ، وإلا إتعظ بنفسه للأسف .
وهذه السنن هل تشمل الكثير من نواحي الحياة ؟
من هذه السنن الإستخلاف والمداولة والتدافع والإستدراج والإختلاف والتغيير والحفظ والتدرج وحتمية التصادم والإصطفاء وإهلاك المسرفين وسلب النعم بالذنوب وهذا غيض من فيض .
وهي عادلة ، ثابتة ، مطردة ، عبرة لمن يعتبر ، ولكن هل هذا معناه أن ما حدث في المنطقة هو من ضمن السنن ؟
فهذا الموضوع مع خطورته وإرتباطه المباشر بالصعود والهبوط للحضارات والدول ، إلا أن إهتمامنا به كشرقيين ما زال محدودا جدا ، وعلى العكس تماما فإن الغرب يتعامل مع هذه السنن بالدراسة والدراية والتدريب على كافة الإصعدة من الطلبة في المدارس وحتى الساسة في الحياة العامة ، وإن كان هذا التعامل يقتصر في كثير من النواحي على ما يعود عليهم هم بالفائدة حتى لو كان غيرهم من يدفع الثمن ، ولا يحرصون على العدل والمساواة في التعامل بل على المكسب والربح الذاتي ، ولذلك فسقوطهم من السنن ولكن لن يسقطوا إلا إذا كانت هناك حضارة تستعد وتعمل وتسعى حتى توفر من السنن ما يصنع نجاحها .