كتبت دوجانة زياد الحصان: أعيدوا لنا التفاصيل

نبض البلد -
لقد انتهى الزمن الجميل منذ ثلاثة عقود ..
هذا ما أرادت التكنلوجيا السريعة إزعاجنا به
ذاك الصباح اذ يحتفل العالم بميلاد الانترنت وبزوغ فجر التواصل الرقمي .. لنزُف لأنفسنا بشرى جَعلت من هذا العالم قرية صغيرة خاوية على عُروشها من مظاهر الحياة.. نجهل فيها قيمة الشيء الصعب الوصول ..
لقد حُرمنا بسببها تفاصيل كثيرة كانت تشبه شيء ما بداخلنا ..
كيف نُحب ..كيف نشعر .. وكيف يجب أن نكون ..
كيف کانت تُقرأ الرسائل.. نُضمد بحروفها الجراح نضمها إلى صدورنا .. نقرأها عِدة مرات .. ثم نضعها بين الكتب المركونه لنعود إلى قرأتها في الثلث الأخير من الليل وكأننا نقرأها لأول مرة .. نتخيل كاتبها وننصت إلى صوته يحيا فينا .!!
كيف نشعر بالحزن .. نتوحد مع أنفسنا دون أن يقطع أحد سيل الألم الذي كان يتخبط فينا ..
نودع المسافر على أمل اللقاء فيغيب وهو محاط بالاشتياق ..ويعود فيكون للقاء هيبته ..
لقد تبلدت المشاعر وجف الحماس وأُخمِدت الثورة. . فمن كان يرى صورة لأحد المقاومين أو الجرحى او الشهداء في الصحيفة يقتصها ويلصقها على الجدران فوق فراشه او على ظرفة الدولاب حتی لا ینسی او يهدأ . .والآن نجدنا نراها على هواتفنا فنتجاوز عنها وكان شيئاً لم يكن .. كأن ظلماً لم يقع ..وكأن وجعاً لم يُحس...
لقد نسينا متى وكيف يجب ان نغضب .. نسينا كيف نعطي الأمور قيمتها ..
كيف نخمن المجهول .. و نصدق روايات كبار السن .. فلا أحد يُصحح معلوماتهم التي عبث الزمن بدقتها فلا مرجع ينغص علينا لذة الاستماع .. لم نكن نألف خوفنا فننتشي منه الرهبة في كل مرة .. نعيش بالقصص التي قُرأت مئات المرات ونجدها مؤنتنا في مجالس الاصدقاء ..
تلك اثار قلم والدي خطت تحت أسطر الكتاب علامات هو فقط يدري أهميتها..
لاشيء يقطع سكوننا ....لاشيء كرنة الهاتف أو تنبيه رسائل الواتسب.. أو مكالمة عبر التليقرام ..أو إشعار من فيس بوك ..أو فضول يجتاحنا لمعرفة أخبار نجوم السوشال ميديا..
كانت النجوم نجوماً لأنها لم تقترب.. كان لكل شيء قدسيته التي لم تمس لأنه كان بعيدا..
نبذل ما لا تقوى عليه الأنفس في سبيل الحصول على معلومة تبقى معنا إلى الأبد .. اما الآن كما تأتي بسرعة فهي تذهب بسرعة ..
كان الحب جميل.. والإخلاص في منتهى الحقيقة ..والصدق عادة..والوفاء طبيعة.. والفكر قناعة.. والثقافة هدف يسعى اليها الشخص وهو خارج من بيته الى أن يصل المكتبة المنشودة فيشعر بقيمة ما حصل عليه فلا يسقط حرف من ذاكرته حتى يفنى ..
هنا وبعد عقود من الاعوام ..لا مكان للحب ..ولا مكان للإخلاص فالخيارات عديدة ومتاحة كضغطة زر..
ذهب بريق الرسائل المكتوبة ولم نعد نشتم رائحة الورق المعطر... لامكان لأحاديث الكبار.. لا قدسية لنبراتهم.. لا نرى سبيلاً لوصولنا الى طريق النحل الذي تغنت به فيروز حتى نتواصل..
لا فكر لنا..فقد تجردنا من حفظ كل التفاصيل في ذاكرتنا وعوضاً عن ذلك باتت ذاكرتنا في اجهزه محموله في الجيوب.. لا مشاعر .. لا نظرات تشغلنا وتؤرقنا.. لا معنى لمرور الوقت... هذا العالم فعلاً کقرية صغيرة لكننا حتی لا نملك الوقت الكافي لنراه..
هذا الكون كله لكم باجهزته وحداثته التي استخدمتنا ولم نستخدمها خذوه ، لكن اعيدو لنا كل التفاصيل... او بعضاً منها..