د.انور عادل الخفش

د.أنور الخُفّش:-ضبط أوضاع المالية العامة وإستمرار الإصلاحات، بعيداً عن الضغوطات الإقتصادية الدولية

نبض البلد -
نبض البلد -
الرؤية الثاقبة في الفكر والتحليل الإقتصادي لنتائج الأعمال وإنعكاسها على المالية العامة ودراسة إتجاه الناتج المحلي والنمو حتى النصف الأول من العام الحالي 2022 ، من خلال مفاضلة كاملة بإجراءات التدابير والتصحيح وإدارة الإصلاحات الإقتصادية والمالية وتمكين الإقتصاد من التمويل الميسَّر و المرِن ، يقتضي إعادة هندرة السياسات المالية نحو مزيداً من خطوات تستهدف تدعيم محرِّكات الإصلاحات المالية والإقتصادية التدريجية والتمويل المرن المرتبط بالقطاع المصرفي بإستثمار الإحتياطيات النقدية والسيولة المتاحة ، والإحتراز بالإستخدام الأمثل لأموال صندوق التقاعد العام ، والمثابرة بالحصول على الدعم الدولي المقرر في الموازنة العامة والعمل السياسي من وزارة التخطيط والتعاون الدولي . المالية العامة مقيدة بضغوط الديون الحكومية المرتفعة ، والنمو الضعيف ، والمخاطر الناجمة عن السياسات الإقتصاديه المحلية وتزايد إحتياجات التمويل الخارجي الكبيرة.
من هنا تأتي أزمة الخيارات المتاحة بإتجاه ترشيد منظومة الإنفاق ، وضبط أوضاع المالية العامة والإستمرار في الإصلاحات الجدية والعمل على تقليص عجز الميزانية العامة إلى 2.5 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 و 1.5٪ في عام 2024 . يمكن تحقيق هذا من خلال المزيد من الإصلاحات المالية الهيكلية التي تعزز تحصيل الإيرادات والأموال العامة وتحسين الإمتثال الضريبي . كما أن تخفيض البطالة يعمل على زيادة مشاركة القوى العاملة في النشاط التجاري وتحقيق بعض المكاسب المالية ، إعادة هيكلة الدَّين وتحويله الى إستثمارات مما يخفِّض تكاليف خدمة الديون وتخفيف الضغوط على الموازنة العامة .

إن برنامج التحوُّل الإقتصادي الذي بدأ تنفيذه عام 2001 ، ركَّز على الإستثمار في الإصلاحات والسياسات والبرامج ، الذي في( حينه) حصل على إجماع وطني في الملتقى الإقتصادي الوطني الأول والثاني ، وكذلك اللجان وفرق العمل المختلفة المنبثقة عنهما، لشموله برامج تنمية الموارد البشرية، وتحسين الخدمات الحكومية الأساسية. وركَّز البرنامج على الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية والتعليمية والقضائية والتشريعية، بينما فشل في مكافحة الفقر والبطالة وتنمية المحافظات، و فشل في استقطاب الإستثمارات الضرورية وجذب إستثمارات القطاع الخاص، ولاسيما في المشروعات التنموية والتطويرية الكبرى .

إن الإقتصاد الأردني يعاني من معضلات منهجية وفكرية في صناعة القرار الإقتصادي ومعوقات إدارية مزمنة وخطيرة، لا بد أن أشير إلى أن إستمرارها دون معلاجة يعرِّض البلاد الى حالة من عدم الإستقرار ، لنتصارح حول مناقشة مؤشرات إقتصادية ومالية ، التي تؤكد خطورة الوضع الإقتصادي ، أهمها : إستمرار عجز الموازنة وتناقص الإحتياطي من النقد الأجنبي ، فضلاً عن إنهيار السياحة الترفيهية والعلاجية وزيادة معدلات البطالة ، وإغلاق المصانع وتعطيل أعمال وإغلاق عديد من المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم ، وأخيراً تخفيض التصنيف الإئتماني وكذلك تعطُّل حركة الإستثمارت طويلة الأجل. وكما طالبت سابقاً من خلال مشاركتي في الصالونات السياسية وبعض المقالات ، مجدداً أطالب الحكومة بضرورة تغيير السياسة الضريبية بتطبيق الضرائب التصاعدية وزيادة حد الإعفاء الضريبي على الدخل ، وترشيد النفقات الحكومية على الإيجارات والسيارات الفارهة والبعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى وضع الصناديق والمساهمات الحكومية والمؤسسات المستقلة تحت المراقبة وإدخالها في الموازنة العامة وقانون الخدمة المدنية وإلغاء نفقات السفر للضرورة والحاجة القصوى والمنتجة ، نظراً لوضعنا الإقتصادي ، الذي يمر حالياً بمجموعة من الإختناقات المالية في الموازنة العامة وميزانية الأُسر، وهي مشاكل صعبة وخطيرة ومتزايدة، ولكننا والحمد لله لم نصل إلى حد الإفلاس، وأختلف مع من يقول إن الأردن مقبلة على إفلاس حقيقي ، لأننا ما زلنا فى منطقة الأمان ، ولكن هناك مؤشرات تؤكد وجود أزمة إقتصادية تستدعي الإستدراك
، المسؤولية كبيرة وعنصر الزمن هو الإعتبار الحاكم ، وله القول الفصل ، خلاف ذلك نحن بإتجاه المسير إلى حالة المنطقة الحرجة .

في الختام ، أدعو الحكومة الى وضع سقف زمني لإيجاد ولتنفيذ خطة الإصلاح الإقتصادي والإداري ، مرحلة البناء والتحديث تقتضي الولوج والتوجُّه الى نهج فكر التحديث المؤسسي بالإتجاه المعاكس الذي تم إعتماده في مسارات التحديث الثلاثة السياسي والإقتصادي والإداري، حيث إعتمدت برامج التحديث الهندسة القطاعية بعيداً عن أدوات التنميع المحلية وأدواتها وهي تحديث وتطوير المؤسسات وإعادة هندرة أعمالها ، ولا نغفل أهمية محاسبة المفسدين والمقصرين ، ومحاسبة المسؤولين (الذين يعملون في الظل) عن تفريغ مؤسسات الدولة من الكفاءات الوطنية بشكل ممنهج عن سابق تصوُّر محكم ، والعمل على إنهاء دور قوى الشد العكسي هم وحدهم المسؤولين عن محاولة تفكيك مواطِن قوة الدولة من خلال إضعاف وتفكيك مؤسساتها القوية والمنتجة ، وهم من يمنع التغيير والإصلاح ويعطلون تنفيذ رؤى جلالة الملك الإصلاحية وتحسين معيشة المواطنين ( هذا مايردّده همساً عديد من المسؤولين السياسيين والإقتصاديين السابقين في غرف الإعتراف المغلقة) ، للأسف كلُّه إستنزاف من رصيد الدولة الشعبي . بإتجاه معاكس لتوجيهات وسعي الملك عبدالله الثاني حفظه الله ، نحو رؤية شمولية لبناء دولة عصرية تعتمد على ذاتها بعيداً عن الضغوطات الإقتصادية الدولية.

الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com