سموتريتش.. الرجل الأخطر والحاكم غير المعلن للضفة

نبض البلد -

جزارون في "كيان" الدم ( 5 ) ...

من مغمور إلى الزعيم الأكثر تطرفًا

 قائد تيار الصهيونية الدينية: الخرائط لفرض الأساطير والعقائد

ربيب الاستيطان وعرّاب أكبر سرقة للأراضي الفلسطينية

مؤسس "خطة الحسم" .. قليل الكلام كثير الأفعال

الانباط – عبد الرحمن أبو حاكمة

 

"يجب محو حوارة، يجب تحويل شمال الضفة كجباليا.."، "منع المساعدات الإنسانية، قتل مليونين بغزة جوعا عادل وأخلاقي"،،، "أعتزم جعل الضفة جزءا لا يتجزأ من إسرائيل.. مهمة حياتي إحباط إقامة دولة فلسطينية"، "الآن بكل قوتنا إلى غزة لإتمام المهمة"،..

ما ورد أعلاه من عبارات هي جزء يسير من تصريحات أطلقها الوزير الصهيوني "بتسلئيل سموتريتش" الذي يعتبر بحسب مراقبين أخطر شخصيةٍ في "إسرائيل"..

وجاء هذا الوصف بعد متابعة حثيثة ودراسة معمقة لشخصية سموتريتش وتاريخه وأسلوبه في العمل، ما أوصله من متطرف مغمور يكافح لدخول معترك السياسة إلى الزعيم الأقوى بين أقطاب أقصى اليمين المتطرف في الكيان.

 

التحريض والإبادة كأساس للرؤية

 

تصريحات سموتريتش ليست مجرد أحلام فردية بل تعكس سياسات استراتيجية يعمل اليمين المتطرف على تنفيذها تدريجياً كما تلخص شحصية هذا الارهابي المعروف عنه انه يعلن آراءه دون خوف، فعلى المستوى الداخلي يرى سموتريتش ان "العلمانية عدو له، وأن التوراة يجب أن تكون مصدر التشريع"، أما على المستوى الخارجي، فهو يرى أن "الفلسطينيين لا حل معهم إلا القبول بالحياة الدونية تحت السيادة الإسرائيلية: أي "الاستعباد" أو الطرد خارج البلاد، أو الموت".

كما انه لا يعترف بوجود أي حدود للاستيطان، فالحل عنده للضفة: إغراقها بالمستوطنات والمستوطنين لإجبار الفلسطينيين على المغادرة أو الموت، اما الحل الذي يطرحه لغزة: "الهجرة للخارج، والاستيطان الكامل في غزة" مدعيا أن وجود المستوطنات كفيلٌ بوقف عمليات المقاومة، كما أنه يدعو ويشجع السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى.

 

ثقافة العنف والتفوق بـمجتمع الكيان

 

ويوثق د. يحيعام شورك الكاتب والمؤرخ والمحاور الاسرائيلي في "بيت بيرل" في دراسة حملت عنوان "جذور البلطجة والقوة في المجتمع الاسرائيلي" التي يقودها ويمثلها كل من سموريتش وبن غفير طبيعة ذلك المجتمع، قائلا:"ان نزعة القوة في المجتمع الاسرائيلي ليست وليدة الامس فهي ترجع الى زوايا الماضي المعتمة قبل تجسيد الفكرة الصهيونية".

ويؤكد: "لقد تجندت كتب التعليم من جهة وبرامج العمل من جهة اخرى لصالح تحسين وتنمية ال"نحن" وتحطيم ال "هم" او شرعنة ال"نحن" وشيطنة ال"هم" والمقصود (الفلسطينيون والعرب) ..

ويختم شورك بحثه مؤكدا:" اذا كانت الحال كذلك، لماذا لا نفهم بذور البلطجة الكامنة داخلنا وبين ظهرانينا؟! واذا اضفنا الى كل ذلك تدخل الصهيونية الدينية في السياسة وهي التي تقدس العمل الصهيوني فان الامر يعني تلقائيا اعطاء المبررات لكل عمليات سلب الارض ومكان العمل وتسويغ كل عدوانية واستعلاء تجاه البيئة المحيطة - ان كانت فلسطينية او عربية - الا يكفي ذلك ..؟!

 

وثيقة "نحلا": تعهدات رسمية

 

 

مواقف الوزير الصهيوني الأشد تطرفا تعكس بالتأكيد سياسات استراتيجية يعمل "اليمين المتطرف" على تنفيذها تدريجياً، وهو ما عبرت عنه بكل وضوح صحيفة اليمين والمستوطنين ماكور ريشون التي اعتبرت "أن أغلبية يهودية داخل الضفة الغربية ستنقذ (إسرائيل) وتحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، داعية لاستغلال عودة ترامب للبيت الأبيض لتنفيذ ذلك.

وقبل ذلك بسنوات، سارع عدد كبير من أعضاء الكنيست -السابقة- والوزراء من حزب الليكود وأحزاب أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستيطان والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة، واوردت صحيفة إسرائيل اليوم بتاريخ 2019-2-5 ذلك حين كان الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة "نحلا” الاستيطانية، بهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ مستوطن في الضفة، وكان من بين الذين وقعوا على الوثيقة: رئيس الكنيست يولي أدلشتاين والوزراء يسرائيل كاتس ويريف لفين وزئيف ألكين وجلعاد أردان”، والوزيرة أيالت شاكيد ورئيس الوزراء الاسبق نفتالي بنيت والوزيرة ميري ريغف والوزير أيوب قرا والوزير يوآف غالنت وغيرهم.

وكتب في الوثيقة: "أتعهد بأن أكون مخلصا لأرض إسرائيل، وعدم التنازل عن أرض الأجداد والآباء، كما أتعهد وألتزم بالعمل على تحقيق خطة لتوطين 2 مليون يهودي بالضفة، وفقا لخطة رئيس الأسبق يتسحاق شامير، وكذلك لتشجيع واسترداد الأراضي في جميع أنحاء الضفة... أتعهد بالعمل على إلغاء إعلان دولتين لشعبين واستبداله ببيان رسمي: "أرض إسرائيل - دولة واحدة لشعب واحد…"!

"خرائط سموتريتش" التي برزت مؤخرا والتي تعبر عن مرحلة جديدة من تصاعد الأطماع الصهيونية، والتي تتبع لوزارة الخارجية الإسرائيلية تعتبر أحدث تجسيدٍ للأحلام الصهيونية التوسعية التي تمتد من فلسطين إلى أجزاء من مصر والأردن وسوريا ولبنان.

ويرى كتاب ومحللون، أن هذه الخرائط، ليست مجرد أضغاث أحلام، بل تعكس سياسات ممنهجة تسعى لفرض واقع جديد على الأرض، مشيرين الى أن غياب الردود العربية الفاعلة، والاستسلام للهيمنة الأمريكية، يعزز من قدرة الكيان على تنفيذ مخططاتها.

ويؤكد هؤلاء أن هذه الأطماع تستند إلى أيديولوجيات توراتية وصهيونية مسيحية، تجد دعماً قوياً من قوى غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، خاصة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.

 

واقع يسير نحو الخنق والتهجير

 

ولم يعد خافيا على أي مراقب للأوضاع في الضفة، أن إجراءات الاحتلال بأذرعه المختلفة تعمل بشكل متكامل في اتجاه واحد، وهو تضييق سبل الحياة اليومية في وجه الفلسطينيين وجعل حياتهم مستحيلة، وبالتالي فتح الباب للهجرة الطوعية وتسهيل ضم الضفة.

وفي الوقت الذي تشن فيه "إسرائيل" حربا تدميرية وإبادة جماعية في قطاع غزة لجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة، فإنها تتبع في الضفة إجراءات متنوعة تصب في مجملها لتحقيق هذا الهدف، وإن كانت تتم بصورة أقل بشاعة.

 

3 خيارات للفلسطينيين.. أو الإبادة

 

وتتقاطع هذه الإجراءات مع رؤية بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة جيش الاحتلال الذي لا يتخلى عن عادة وضع "الكيباه"- القلنسوة اليهودية- فوق رأسه، الذي وضع الفلسطينيين في الضفة أمام خيارات ثلاث: "القبول بالعيش في حكم بلدي تحت سيادة دولة الاحتلال، أو الهجرة إلى الخارج بتشجيع وتسهيلات من دولة الاحتلال، ومن يرفض هذا وذاك يتولى جيش الاحتلال تصفية الحساب معه".

الإعلان عن ذلك يتزايد مع كل حرب يدخلها الكيان، إذ تتصاعد حماسة كثير من المسؤولين لتحقيق أحلامهم المدفونة. وهذا ما حدث في سياق حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تزامنت مع تصعيد عدوانه على الضفة والعدوان على لبنان وايران لاحقا.

 

إنكار وجود الفلسطينيين

في 19 مارس/آذار 2023، وقف سموتريتش خلال زيارته لباريس أمام منصة عليها خريطة لـ"أرض إسرائيل الكبرى" المزعومة، تضم كامل فلسطين التاريخية والأردن، وفي حينه أنكر وجود شعب فلسطيني من الأساس، زاعما أن هذا الشعب "بدعةٌ تمّ اختراعها قبل 100 عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل".

وتفاعلا مع فيديو سموتريتش، نشر الكاتب ديفيد ميلر عبر حسابه على منصة إكس، خريطة تزعم أن "حدود دولة إسرائيل الكبرى تشمل أجزاء من مصر والعراق والسعودية وسوريا، إلى جانب كامل فلسطين التاريخية والأردن ولبنان"، وأرفقها بتعليق: مفاجأة! لقد كان العرب على حق منذ البداية بشأن "إسرائيل الكبرى"، لقد كانت هذه هي الخطة دائمًا.

وتعود جذور هذه الأوهام التوسعية لليمين المتطرف الذي يمثله سموتريتش إلى معتقدات دينية تفيد بأن "الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات".

يزعم معهد "التوراة والأرض" عبر موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا".. هذه المعتقدات حملها وأصّل لها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عاما. فمؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904 زعم أن "حدود إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات". على النحو ذاته، طالبت عصابة "أرغون" الصهيونية، التي ظهرت خلال فترة الانتداب البريطاني بأرض فلسطين (1922-1948) والتي أُدمجت في جيش الإحتلال لاحقا، بأن تكون دولة فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية يطلق عليها اسم "إتسل".

من أخطر المخططات الصهيونية في هذا السياق خطة "ينون" التي كتبها عوديد ينون، الصحفي والدبلوماسي ومستشار رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون. وظهرت هذه الخطة للمرة الأولى في مجلة "كيفونيم" (اتجاهات) التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية في فبراير/شباط 1982، واستندت إلى رؤية هيرتزل ومؤسسي دولة الكيان الصهيوني نهاية الأربعينيات، ومنهم الحبر اليهودي فيشمان. وأعاد موقع مركز دراسات العولمة الأميركي "غلوبال ريسيرش" نشر الوثيقة بعد ترجمتها إلى الإنجليزية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وقال عنها محرر الموقع ميشيل شوسودوفسكي إنها تتعلق بإقامة "إسرائيل الكبرى"، وتشكل حجر الزاوية في سياسات القوى السياسية الصهيونية الممثلة في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكذلك في سياسات مؤسستي الجيش والاستخبارات بإسرائيل، وأشار إلى أن هذه الخطة تركّز على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقا في إطار المشروع التوسعي الصهيوني، وعلى الاستيطان بالضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضم الضفة وقطاع غزة. وأضاف أن "إسرائيل الكبرى" ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية، وستنشئ دولا وكيلة لضمان تفوقها في المنطقة، وأن وثيقة "ينون" هي استمرار لمخطط الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط.

ولم يكن سموتريتش الوحيد في طرح هذه الأوهام فقد عرض نتنياهو الذي يتزعم حزب الليكود اليميني، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي، خريطتين تظهران الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن أراضي إسرائيل.

الأولى كُتب عليها "النعمة" والثانية "اللعنة"، وكلاهما اعتبرتهما وزارة الخارجية الفلسطينية "استعراضا يكشف أجندات اليمين المتطرف" التوسعية.

وقبل نتنياهو، قدم الحاخام المتطرف إليعازر ميلاميد تصورا مشابها لهذه الدولة المزعومة على موقع "يشيفا" العبري يوم 15 يوليو/تموز 2023، زاعما في مقال نشره أن حدود "إسرائيل الكبرى" تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات. وقال ميلاميد أن "كامل منطقة شبه جزيرة سيناء (شمالي شرقي مصر) هي الجزء الجنوبي لتلك الدولة"