عبد الهادي راجي المجالي

وحل

نبض البلد - عتبنا على تكریم (حلیمة بولند).. من حقنا أن نعتب, وأن نغضب وأن نحرق صفحات "الفیس بوك" والمواقع الإخباریة غضبا.. من حقنا كل ذلك!.. لكننا للأسف نسینا إذاعاتنا, نسینا أن قانون المرئي والمسموع الذي أنتج لنا ألف (حلیمة بولند).. نسینا الغنج والدلع الصباحي, والھروب من اللھجة الأردنیة وتقلید اللبنانیة, نسینا غیاب العقل.. خلف المایكروفون, ونسینا أن إذاعاتنا وبرامجھا الصباحیة, ھي مجرد استنساخ لحلیمة بولند.. نعتب على حلیمة؟.. وحلیمة بیننا تنتج آلاف الدنانیر من "الغنج" على شكل إعلانات.. وتأسر قلوب المراھقین, وتقدم وجبات "میاصة" على . إذاعات رخصت بقرارات مجلس وزراء نعتب على عمان أنھا غرقت, وننسى أننا نحن من أغرق عمان بمجموعات من الشباب الذي أتوا إلى القرار, كي یجربوا رسائل ماجستیر, قدمت في جامعات لندن, حول تطویر الاقتصاد في الدول النامیة, وأخضعونا لمنطق التجریب.. وباعوا مؤسسات الدولة كلھا, وبنوا الھیئات المستقلة.. والتنفیعات, وشطبوا أبویة الدولة.. وعلقوا الفشل على العشیرة والمكون الاجتماعي وثقافة العیب.. وقد جاءوا باسم اللیبرالیة والتكنوقراط, باسم الحداثة والاقتصاد المفتوح.. وأغرقونا في الھم والشكوى وضیق الحال.. بحیث أصبحت العشائر معیقاً للتنمیة, والمحافظات.. مجرد أماكن توزع فیھا المعونات والمعلبات المنتھیة الصلاحیة وطرود الخیر.. أغرقونا في الشكوى، ولم ننطق بكلمة وقبلنا.. ونعترض على غرق عمان؟ ونعتب على (الزلم) الذین راحوا, ونحن أول من قتل الرجولة، حین حولنا صفحات "الفیس بوك" لساحات ردح وشتم.. ٍ وتشف، حین تركنا المیادین، وكل واحد فینا اختصر رجولة الشارع برجولة "الفیس بوك" بحیث صار الشارب تعلیقا ھداما ینشر على الصفحة" والزند القوي صار صورة مرتبطة بفضیحة تنشر ھي الأخرى , واللحیة مجرد (لایك) ینثر على مادة نشرتھا مراھقة.. متعلقة بفقدان الحبیب, وأھلنا في زمن الحرب.. نزلوا لشوارع عمان وحموھا بالفزعة والدم , وأقسموا أن لا یأتي الصباح إلا والشوارع مطمئنة, كیف حولنا الرصاص لمقالات كلھا أخطاء لغویة على "الفیس" ..والرفض لمشروع ردح المصیبة فینا نحن، والعلة نحن.. ونعتب على الحكومات أنھا تركت المحافظات غارقة في الشكوى والفقر والبطالة, ونحن من قبلنا على أنفسنا.. بأن نحول محافظاتنا، لمناطق تستقبل طرود الخیر.. وحقائب مدرسیة للفقراء, ومخازن توزع فیھا بعض المعلبات، التي تبرع بھا مھرب دخان محترف.. وقلنا إن التسول ھو مساعدة من أھل الخیر, وبدلنا مفھوم الشفقة إلى تكافل وتضامن, ورضینا على أطفالنا أن یظھروا على الشاشات وھم یستلمون تلك الطرود.. بضحكات مصطنعة, كیف رضینا ذلك على أرض حملت جعفر وعبدالله وزید .. وھؤلاء قدموا دمھم والروح لأجل العقیدة، كیف رضینا على الجنوب العظیم الصابر الذي علم الدنیا الجمال والسیف والشھادة, بأن یتحول إلى مشھد تلفزیوني توزع فیھ النساء المتصابیات.. بعضا من الأقلام والأحذیة على أطفالنا؟.. التراب الحر في الكرك والطفیلة .ومعان لا یعرف التسول، ولن یتسول.. سیبقى بالرغم من الجوع حراً طاھراً نقیاً ونعتب على الإعلام.. والأقلام والتلفاز، ونحن من سمحنا لكل عابر أن یجرب علینا استراتیجیات الإعلام , وسمحنا للحكومات بأن تنثر الأصدقاء والمحاسیب في مؤسسات بنیت من عرق أھلنا وتعبھم, ونحن من سمحنا.. للھواة .(والأطفال المدللین بأن یكونوا علینا مدراء ووزراء, وصرنا حین نراھم نصرخ: ( جیرة الله ع العشا یا سیدي أنا لا أستثني نفسي, فحروفي تحاصرني, ولقمة الخبز ھي الأخرى تخنقني.. لكني مدان من أعلى رأسي حتى اسفل ..قدمي !یا ترى متى ننظر إلى أنفسنا في المرایا.. ننظر إلى حجم الوحل في وجوھنا, وننسى ولو قلیلا حجم الوحل في عمان؟