نبض البلد - النظافة… مشروع وطني يبدأ من الشارع ولا ينتهي عند الضمير
بقلم: م. أحمد نضال عواد
حين يؤكد صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبداللّه الثاني يحفظهما اللّه، أنّ التحديات الاقتصادية والإقليمية لا يجب أن تُبعدنا عن الاهتمام بنظافة الأماكن العامة، فهو لا يلفت النظر إلى مسألة خدمية فحسب، بل يرسّخ فهماً وطنياً متقدماً للنظافة باعتبارها قيمة أخلاقية، ومسؤولية مؤسسية، وأحد مؤشرات جودة الإدارة العامة.
النظافة ليست حملة مؤقتة ولا شعاراً موسمياً، بل نهج عمل يحترم الإنسان قبل المكان، ويعكس صورة الدولة في تفاصيلها اليومية. وهي تبدأ من الشارع، لكنها تمتد إلى طريقة اتخاذ القرار، وإدارة الموارد، وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسة.
وفي قلب هذا المشهد يقف عمال الوطن، الذين يؤدون عملاً شاقاً يستحق منا إعادة نظر جادة في أدوات العمل المستخدمة. فمدينة تطمح للجمال والاستدامة لا يمكن أن تعتمد على وسائل متعبة تستهلك صحة العامل وتحدّ من كفاءته. إن الانتقال إلى أدوات حديثة، ومنها العربات الكهربائية الصغيرة المناسبة للأحياء والأزقة، ليس ترفاً، بل خطوة إنسانية ذكية تُخفف الجهد، وترفع الإنتاجية، وتُحسّن المشهد الحضري العام.
وأي بلدية تلتقط هذه الإشارة مبكراً، وتستثمر في تحديث أدوات النظافة، ستكون سبّاقة في الوصول إلى مدينة أكثر جمالاً، وأكثر احتراماً للعامل، وأكثر انسجاماً مع مفهوم المدن المستدامة.
لكن النظافة لا تكتمل دون معالجة ما بعد الجمع. فالتحدي الحقيقي اليوم يتمثل في إطلاق برنامج وطني متكامل لإعادة التدوير، لا يكتفي بالفرز أو النقل، بل يؤسس لثقافة جديدة في إدارة النفايات، ويحوّلها من عبء بيئي إلى فرصة اقتصادية وتشغيلية. برنامج وطني واضح، تشاركي، ومستدام، يربط البلديات بالقطاع الخاص، ويفتح المجال أمام الاستثمار الأخضر، ويوفر فرص عمل، خاصة للشباب.
وهنا يبرز دور المجتمع بكل أطيافه. فالنظافة ليست مسؤولية البلدية وحدها، بل مسؤولية كل فرد: في البيت، في المدرسة، في المسجد والكنيسة ، في الجامعة، وفي مكان العمل. حين يلتزم المواطن بعدم الإلقاء العشوائي، ويدعم الفرز من المصدر، ويحترم العامل، يصبح شريكاً حقيقياً في نجاح أي استراتيجية وطنية.
وكما نحرص على نظافة المكان، علينا أن نتمسك بنظافة اليد من الفساد، ونظافة الضمير في القرار، ونظافة القلب في خدمة الناس. فلا معنى لمدينة نظيفة إذا أُديرت بعقلية ملوّثة، ولا قيمة لمشهد حضري جميل إذا غابت النزاهة والعدالة.
رسالة ولي العهد كانت واضحة: النظافة أولوية لا تقبل التأجيل. والمسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع، حكومة وبلديات وقطاع خاص ومجتمع، لتحويل هذه الرؤية إلى إدارة نظيفة، وأدوات حديثة، وبرامج وطنية تشاركية تُراكم الأثر وتبني الثقة.
فالأوطان لا تُقاس فقط بما تشيده من مبانٍ، بل بما تصونه من قيم، والنظافة، بكل معانيها، هي أول هذه القيم.
وضمن هذه الروح، نوجّه تحية وتهنئة إلى الإنسانية جمعاء في كل أنحاء العالم، آملين بعامٍ قادمٍ مليء بالخير، والنظافة، والعلم، والإنجاز، والريادة والسلام للعالم أجمع.