نبض البلد -
أحمد الضرابعة
يختزل الانتهازيون أوطانهم على اتساعها في ساحات محدودة، لكنهم سُرعان ما يعدِلون عن ذلك عندما يُتاح لهم الحصول على نصيب من "الكعكة الوطنية"، فتجدهم ينقلون البندقية من كتفٍ إلى آخر، ويشحذون ألسنتهم من جديد للدفاع عن الوضع القائم بكل تفاصيله، مع أنهم كانوا من أشرس مُنتقديه في الماضي. حجة هؤلاء، أن دخولهم للنظام السياسي أتاح لهم استكشاف الأوضاع بمجهر السلطة، وأن وجودهم في الشارع لم يكن يسمح لهم بذلك. يُردد هذه الحجة بضعة مسؤولين في الدولة الأردنية قُذقوا إلى مواقعهم الرسمية من الشارع، دون أن يتمكنوا من إقناع أردني واحد بسلامة هذا التحول الجذري في مواقفهم السياسية، بعد أن كانوا من الشخصيات التي تقود الرأي العام في الأردن. يجهل هؤلاء أن الأردنيين مُسيّسون بما يكفي للإدراك بأن هذا التحول الجذري في الموقف هو مجرد تذكرة للتسلّل إلى دوائر المصالح الشخصية والنفوذ ليس أكثر. صحيح أن للدولة الأردنية باعٌ طويل في تطبيق سياسات التدجين والترويض، إلا أن هذه كانت في سياقات استثنائية تطلّبت ذلك في بعض الأحيان، أما في الوقت الحالي، فإن نتائج استمرار هذه السياسات، وخيمة على الدولة الأردنية ذاتها، فهي عندما تفتح باب التسويات السياسية مع شخصيات انتهازية فإنها تُعزز حالة الشعور الوطني بالاستفزاز، خصوصاً عندما يُصبح الانتهازيون محامي دفاع عن الدولة الأردنية ومواقفها، فنتائج مرافعاتهم غالباً ما تأتي عكس ما هو مطلوب أو متوقع. لا أعرف بصراحة ما الذي يغري صانع القرار للاستثمار بشخصيات مثيرة للجدل، لم تعد تملك أي شرعية سياسية أو اجتماعية، ولا تحتفظ بقدراتها السابقة على التأثير في الرأي العام، بل أن كل اجتهاداتها الدفاعية متواضعة، وتُشجّع على النفور من الأطروحات التي يدافعون عنها. أعتقد أنه لا يمكن لمن فقد الشرعية الشخصية أن يدافع عن الشرعية الوطنية، فهو يُسيء لهذه الأخيرة ويُفاقم أزمة الثقة بين المجتمع والدولة. عندما يتم الدفع بشخصيات فقدت مصداقيتها في الشارع الأردني لتكون واجهة الدفاع عن مواقف الدولة وسياساتها، فإن المتوقع من ذلك هو زيادة مناعة الجمهور ضد الخطاب الرسمي، وربما تؤكد أي جولة على تعليقات البرامج الحوارية التي تبثها محطات التلفزيون ذلك، عندما تستضيف شخصية من هؤلاء الذين نتحدث عنهم للدفاع عن قرار أو سياسة ما. من يعتمد على هؤلاء مثل من يتعامل بالفحم، لا يجني إلا سواد الوجه. هذه نصيحة، بل تحذير لمن يهمه الأمر، لا ينبغي فرض هذه الوجوه المتلونة على الأردنيين، وتسخير البنادق المنقولة من كتف إلى كتف لخدمة الموقف الرسمي، فهي مجرد عبء إضافي على خطوط الاتصال السياسي بين المجتمع والدولة، ولا يمكنها أن تنقل أي رسالة بنجاح، خصوصاً أن الجمهور أصدر حكمه عليها وقرر سحب اعترافه الشرعي بها.