مغالطات كارثية في حديث محمد جواد ظريف.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

لفتني حديث وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بانفعال في مؤتمر الدوحة الأخير محاولًا تبرئة إيران من مسؤوليتها عمّا لحق بالمنطقة تبعًا لسياسة الوكلاء والأذرع التي انتهجتها بلاده في عدد من الدول العربية. ظريف زاد على محاولات التملّص من المسؤولية دعوة دول المنطقة لتقديم الشكر مقابل "خدمات طهران المميزة" التي تبرّعت بها لمواجهة قضايا العرب بالنيابة عنهم.

الرجل قال حرفيًا: " لم يُطلق أي من (وكلائنا) طلقة واحدة من أجل مصالح طهران، بل من أجل مصالح العرب"، ويبدو أن ظريف قد نسي هنا أنه اعترف بوجود وكلاء لبلده في دول ذات سيادة بعرف القانون الدولي على الأقل. ووفق هذا الطرح يتبادر إلى الذهن سؤالين بسيطين، الأول: هل يريد ظريف أن يقنعنا أن إيران تحولت إلى جمعية خيرية تقدم الخدمات وتنفق المليارات على (وكلائها) الذين يخدمون العرب دون مقابل؟؟، والسؤال الثاني: هل يريد الرجل أن نتغاضى عن حقيقة أن تحرير فلسطين أو إعادة احتلالها أمور لا يمكن أن تفيد/ تضر طهران التي تبعد الاف الكيلومترات؟.

من الواضح أن ظريف -وهو ديبلوماسي محترف للأسف- يحاول استعادة علاقات طهران مع الدول العربية، أو على الأقل تجميل صورة بلده أمام شعوب المنطقة التي عانت من سياساتها طوال عقود، خصوصًا عندما قال معاتبًا: "نحن نشعر بالاستياء من "أصدقائنا" العرب لأننا دعمنا قضيتهم (فلسطين) أكثر منهم!"، وهنا يبدو أنه سرح بخياله واقتنع أن بلاده مفوّضة بالدفاع عن قضايانا.

المذهل أن الرجل يرى أن إنشاء مليشيات داخل دول ذات سيادة هو شكل من أشكال الدعم، لا بل أنه زاوَد وأدّعى أن بلاده قدمت لفلسطين أكثر مما قدم العرب، وتناسى عشرات المعارك والحروب التي خاضتها الدول العربية وتضحيات آلاف الشهداء ومليارات الدولارات من الخسائر. أعرف أننا لسنا في موقع تبرير لظريف، لكنا مطالبون بأن نفنّد حديثه، فلدينا من يعتقد فعلًا أن إيران تريد تحرير فلسطين وإهدائها لنا فعلًا مع حل شامل لبقية مشاكلنا.

كل هذه المغالطات المنطقية والقانونية أطلقها ظريف بصوت عالٍ وانفعال عاطفي في خضم مشهد تمثيلي غريب، لكني في الحقيقة قد لا ألومه على ذلك؛ فهو لا يتحدث بهذه الطريقة إلا ليقينه أن هناك من يؤمن بخطابه ومشروعه بيننا، فهذه الوقاحة لا تأتي إلا من ثقة عالية بأن للمتحدث أتباع مخلصين.

ربما تكون الدول العربية قد فشلت في إدارة الصراع مع إسرائيل، لكن هذا الفشل لم يكن منبعه ذاتي بشكل كلي، بل كان مرجعه ظروف تأسيس قاسية ونظام عالمي لعب دورًا كبيرًا في دعم بقاء إسرائيل وتأمينها بما تحتاجه من القدرات. لكن في المقابل لا بد لنا أن نعترف أن إيران انتشرت في المنطقة من خلال استغلال عدة أحداث: الأول سقوط نظام صدام حسين وسيطرتها على العراق، والثاني الاستفادة من تبعات الحرب الأهلية في لبنان وإيجاد حزب الله هناك، وأخيرًا استغلال/ إيجاد قوى الربيع العربي لتثبيت مليشاتها في السلطة كما فعلت في اليمن وسوريا.

نقد سلوك إيران لا يعني مدح إسرائيل، دعونا نتخلص من هذه الثنائية الضحلة، فنحن اليوم أمام مرحلة مختلفة في المنطقة، مرحلة تراجعت فيها إيران وضبطت فيها إسرائيل بتغيرات علاقاتها مع واشنطن وبردة الفعل العالمية الأخيرة ضدها، لذلك لا بد أن يكون لنا مشروعنا الحقيقي الذي يمنع أي دولة من التدخل والعبث بواقعنا.