نبض البلد -
حاتم النعيمات
عاد الجنوب السوري ليفرض نفسه على الطاولة من جديد، الاضطرابات عادت إلى السويداء، ونتنياهو ينفّذ جولة استفزازية داخل الأراضي السورية تبعها توغلات إسرائيلية في جنوب غرب سوريا، وكل ذلك يحدث في وقت يدرك فيه تمامًا أن الحكومة السورية الانتقالية بالكاد تقف على قدميها. مشهد يوحي بأن الحكومة الانتقالية في دمشق تعاني حتى بعد أن أظهرت مطاوعة مُلفتة لواشنطن. إسرائيل تريد أن تبعث رسالة مفادها أن الجنوب مكشوف، وأنها قادرة على اختراقه في أي وقت.
الحكومة السورية الانتقالية تبدو غارقة في محاولات ترتيب أولوياتها، محاصرةً بين نفوذ تركي يضغط من الشمال، وحضور إسرائيلي لم يعد يخفي نفسه في الجنوب، وملفات أمنية وسياسية ما زالت بلا حسم. وحتى المفاوضات الجارية مع تل أبيب لا تمنح انطباعًا بوجود تغيير حقيقي؛ فالتفاوض بلا توازن قوة لا يصنع حلولًا، بل يُنتج اعترافًا غير معلن بحقّ تدخل مفتوح تستطيع إسرائيل استخدامه ساعة ما تشاء.
اهتمام عمّان بالجنوب السوري بشكل عام والسويداء بشكل خاص إجباري، بغض النظر عن مدى الرضا عن من يحكم في دمشق، فطوال السنوات الماضية، نفّذ الجيش الأردني عمليات دقيقة داخل الجنوب السوري لضرب معامل الكبتاجون ومستودعاته وشبكات التهريب كجزء من تفاهمات واسعة (مع النظامين) هدفت إلى حماية الأردن.
اليوم، لا تستقيم معادلة الجنوب من دون الأردن، نملك قنوات تواصل فاعلة مع دمشق الجديدة من جهة، ومع لجان السويداء من جهة ثانية، ما يجعلنا الطرف الأكثر قدرة على لعب دور الضابط أو الشريك في لحظة تتطلب تهدئة عاجلة تمنع تفكك الجنوب أو اشتعاله، وتحدّ من تمدد اليد الإسرائيلية، وهذان هدفان ينسجمان تمامًا مع المصلحة الأردنية المباشرة.
الأردن ينسّق ويراقب ويدير خطوط اتصال ويلعب دور الوسيط والمُيسر، لكنه في الوقت نفسه يواجه إسرائيل دبلوماسيًا في ميادين عدة أهمها الدولية، مدركًا أن الجنوب لا يتحمل فراغًا للنظام ولا تواجد إسرائيلي. ومع ذلك، فإن ما يجري على الأرض يوحي بأن الأمور تتجه إلى مزيد من التشويش، وأن القوى الأهلية في السويداء مقبلة على احتمالات اتساع دائرة العنف، في وقت تظهر فيه الحكومة السورية الجديدة عاجزة عن إحكام السيطرة على المشهد.
في هذه الظروف، الاكتفاء بالمراقبة أو تسجيل المواقف قد لا يكون كافيًا للأردن، فدمشق ما تزال بلا أدوات صلبة لإدارة ملف معقّد كالجنوب، والمرحلة تتطلب خلق واقع ميداني ـ سياسي يقي المنطقة من الانهيار. الاعتماد على دمشق وحدها مخاطرة، خصوصًا مع تقاطع النفوذ التركي والإسرائيلي على الأرض بطريقة لا تمنح الجنوب فرصة للاستقرار.
للأسف، فإن الواضح اليوم أن دمشق تقدّم لإسرائيل في الجنوب ما هو أكثر طمأنة مما تقدمه للأردن، وهذه نقطة ينبغي قراءتها جيدًا، فترك الجنوب لمعادلات الآخرين، أو انتظار الفوضى كي ترسم شكلها بنفسها، خيار لا يخدم مصلحة الأردن ولا ينسجم مع حسابات استقرار المنطقة، الجنوب السوري يحتاج إلى يد تمسك بالخيوط هناك بكل قوة.