نبض البلد -
أحمد الضرابعة
في الآونة الأخيرة، تداولت الأوساط السياسية بكثرة، سيناريو حل المجلس النيابي ضمن سياق التعاطي مع الأزمة التي يواجهها حزب جبهة العمل الإسلامي، والتي نشأت في ظروف محلية مُتّصلة بالإقليم، وتعمّقت أكثر مع التوجه الأميركي لتصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين في عدة دول، بينها الأردن كمنظمات إرهابية.
ما أعرفه، هو أن صانع القرار الأردني لم يكن مفاجئاً بالنسبة له أن تتجه الإدارة الأميركية لعزل قوى الإسلام السياسي في المنطقة، ولذلك فإنه استبق هذا التوجه بتنفيذ قرار حل جماعة الإخوان المسلمين الصادر في سنة 2020، قبل سبع شهور إثر الكشف عن قضية الخلايا الأربع، لتجنيب الأردن ضغوطاً سياسية لا يمكن تحمّلها.
رغم أهمية هذا الإجراء الحكومي، إلا أنه لم يُنهي أزمة الإسلاميين أو يضع حداً لتداعياتها المحتملة على الدولة الأردنية، لكن ذلك في المقابل لا يعني بالضرورة أن صانع القرار أصبح مفلساً من الحلول ولم يعد أمامه سوى التفكير بحل المجلس النيابي وتجميد مشروع التحديث السياسي للتناغم مع المتغير الأميركي الجديد في العلاقة مع الإسلام السياسي، فمن الممكن توليد العديد من الخيارات السياسية لضمان عدم التصادم مع التوجه الأميركي الأخير في المنطقة، والتعامل مع الإسلاميين ضمن البيت الداخلي الوطني، وتحييد المؤثرات الخارجية في ذلك، لكن هذا يتطلب من حزب جبهة العمل الإسلامي النزول عن الشجرة، والإدراك بأن من لا يتطور، محكوم عليه بالانقراض.
ثمة مسار قضائي نافذ ستحدد نتائجه بدقة مستقبل حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن هذا لا يعني بقاء هذا الأخير في وضع الانتظار، فالمطلوب منه أن يلتقط المعطيات السياسية والدولية الجديدة في العلاقة مع عموم قوى الإسلام السياسي في المنطقة، وأن يتناغم معها بشكل طوعي، فمقاومته خيار التكيف مع المستجدات قد تؤدي لإخراج قضيته من حيز القانون إلى حيز السياسة، وهذا يعني أن الدولة الأردنية ستقوم بما هو مطلوب منه ما لم يبادر بأي خطوة سياسية، وأنها ستفعل ما يلزم لحماية مشروع التحديث السياسي، وحل أزمة الإسلاميين وفق أسس وطنية، واحتواء الضغوط الأميركية المحتملة، ومنع الفراغ في السلطة التشريعية.
حل مجلس النواب للتخلص من أزمة الإسلاميين ليس هو الخيار المثالي ،لأنه يخلق متوالية من الاستحقاقات السياسية والدستورية في سياق محلي تمضي فيه الدولة الأردنية نحو المرحلة الثانية من مشروع التحديث السياسي، وتستعد فيه لإعادة إنتاج قطاع الإدارة المحلية وفقاً لقانون جديد، إضافة إلى إطلاقها مشاريع استراتيجية كبرى في قطاعات اقتصادية عديدة. ولا بد من التذكير بأن الدولة الأردنية لم تتحدى الظروف الإقليمية وتُجري الانتخابات النيابية لتحل مجلس النواب بعد مضي سنة على انتخابه، فمثل هذا القرار إن اتُخذ فإنه سيفرّط برصيد الثقة الذي راكمته الدولة الأردنية خلال السنوات الأخيرة، وسيُربك أجندة التحديث السياسي ويضعف زخم المرحلة الثانية منها، وغني عن القول أن الدولة الأردنية لطالما تجمدت مشاريعها الإصلاحية بسبب الظروف السياسية، لكنها هذه المرة لا بد أن تُكيّف الظروف وفق ما يقتضيه مشروعها السياسي، لا العكس، حتى لا يكون التحديث السياسي مجرد تجربة التحقت بما سبقها من مشاريع مماثلة لم يُكتب لها الاستمرار