نبض البلد - أحمد الضرابعة
لم تكن الليلة الماضية عاديّةٌ بالنسبة للأردنيين، فمع غروب شمس الثلاثاء داهمت قوة أمنية موقعاً في لواء الرمثا للقبض على أخوين مطلوبين من حملة الفكر التكفيري على إثر قضايا تحقيقية مهمة. لكن سُرعان ما تصاعدت الأحداث عندما بادر المطلوبان للمواجهة النارية مع أفراد القوة الأمنية، لينتهي بهما المطاف قتيلين بعد اشتباكات تأخر حسمها بسبب استخدامهما والدتهما كدرع بشري. تأتي هذه العملية بعد حوالي سبع شهور من إحباط مخططات كانت تهدف للمساس بالأمن الوطني، اشترك فيها أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المنحلة. من المعلوم أن السياق الإقليمي الذي نشأ بعد السابع من أكتوبر لعام 2023 حفّز الأفراد والجماعات من ذوي التوجهات الراديكالية للخروج عن القانون تحت شعارات دينية وسياسية مضللة لإعادة إنتاج مشهد الفوضى الذي شهدته بعض دول الجوار، لكن الأردن الذي له باع طويل في مكافحة التطرف والإرهاب يجيد التعامل مع مثل هذه التحديات بحرفية عالية، مستنداً إلى خبرة مؤسساته الأمنية في تفكيك الخلايا المتطرفة واتخاذ الإجراءات الاستباقية التي تضمن بقاء الجبهة الداخلية آمنة ومتماسكة.
من تابع عملية الرمثا يُمكنه التقاط عدة رسائل غير مباشرة ومهمة، أولها أن المؤسسات السيادية الأردنية كالجيش العربي ودائرة المخابرات العامة والأمن العام رغم كل محاولات تأليب الرأي العام الداخلي ضدها من الخارج ما تزال محط ثقة مطلقة لدى الأردنيين وهي عمقهم الوطني الذي لا يتزعزع، خصوصاً في اللحظات التي تتجلى فيها قدرة الدولة الأردنية عبر هذه المؤسسات على فرض القانون وحماية المجتمع، ولطالما دلت استطلاعات الرأي العام التي تجريها المراكز البحثية على ذلك. كما إن ترحيب أهالي الرمثا من الميدان بعناصر القوة الأمنية عند بدء العملية وتوديعهم إياها بعد انتهائها بالهتافات التي تشيد بجهودهم، إلى جانب تفاعلات الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت التفافاً وطنياً عريضاً حول الأجهزة الأمنية وأسلوبها الاحترافي في العملية. أما الرسالة الثانية فإن مضمونها يرتبط بمشاهدة الأردنيين للتحديث الملموس في المنظومة الأمنية، والتي أصبحت تستوعب المزيد من التكنولوجيا في مهام مكافحة الإرهاب والتطرف، فقد وضحت عملية الرمثا أن هناك تقنيات حديثة بدأت تُستخدم لأغراض المراقبة والتحليل، وهذا يثبت أن الأردن يسعى لمواكبة حالة التطور العالمية في المجالين الأمني والعسكري. الرسالة الثالثة المستخلصة من عملية الرمثا هي وجود استخفاف لدى الكثيرين بالعواقب المحتملة للتداول الإعلامي غير المسؤول لأي عملية أمنية. يجهل الكثيرون أن نشر الصور والمقاطع المرئية غير المصرح بها من محيط العملية الأمنية يوفّر معلومات حساسة لأي جهة معادية تترقب الوضع الأمني في الأردن، لذلك لا بد أن تبذل الجهات المختصة جهودها لتوعية المواطنين من عواقب هذه الممارسات على المستوى الوطني.
تمثل عملية الرمثا محطة مفصلية في المشهد الأمني الأردني بما حوته من رسائل ودلالات وطنية، فقد أكدت أن الدولة الأردنية قادرة على حماية أمنها الداخلي بكفاءة عالية، وأن ثقة الاردنيين بمؤسساتهم هي ركيزة من ركائز الاستقرار الوطني، وأن الاصطفاف خلف دولتهم في مواجهة التهديدات هو خيارهم الوحيد الذي لا يحيدون عنه