تقاليد الخصومة السياسية والتنافسية

نبض البلد -
عمر كلاب


في تجارب كثيرة, اثبتت الحياة السياسية الاردنية الجديدة, افتقارها الى مفهوم الخصومة السياسية, مع الحفاظ على تقاليد التنافسية الحميدة, فثمة تحريض واستهداف للخصوم, دون النظر الى خطورة الخطوة, واثرها على مستقبل الحياة السياسية, ومنظومة التحديث السياسي, التي تمر في فترة حرجة, فالخطوة الاولى, كانت ضعيفة التأثير, ولم تنجح المنظومة في خطوتها الاولى من جذب كثير من الاردنيين, الذين فضلوا الجلوس على شرفة النظارة, بانتظار ما يكّذب هواجسهم بانها مسرحية رفضوا الحصول على ادوار فيها, وبين بصيص أمل بانها مسلك جديد, بحكم الضمانة الملكية.

اشكالية الحالة الحزبية الاردنية, اشكالية لم يجر تفكيكها حتى اللحظة, فالاردن لم يشهد استعمارا مباشرا, بمعنى لم تتشكل احزابا مارست شكل العمل المقاوم ضد الاستعمار, ولم تتشكل تبعا لذلك شروخا داخل المجتمع, كما شهدت مجتمعات عربية, من انقسام اجتماعي, بين تابع للاحتلال وجواسيسي وعوانية, وبين مقاومين, ولذلك نرى ان مجتمعنا, بقي متماسكا, ولم يشهد انقسامات حادة, وهذه نعمة من الله, وثمرة من ثمار كثيرة, اوجدتها سماحة النظام السياسي, انعكست بالمجمل على سماحة الدولة ومؤسساتها, فحتى الاجهزة الامنية, في بلادنا غير متورطة بكل الافعال المشينة التي تورطت فيها اجهزة عربية مماثلة, والاهم ان القوات المسلحة بقيت محترفة وخارج الصراع السياسي, فاكتسبت ما اكتسبته من مهابة واحترام.

القصد ان المجتمع السياسي, نما على حافتين, الاولى القضية الفلسطينية, بثنائية تفاصيلها, بحكم ان جزء منها مربوط بنيويا بالاردن " القدس والاقصى, الضفة الغربية ", والثاني مرتبط بتركيبة الاردنيين القومية والدينية " فلسطين المحتلة 48 ", والحافة الثانية الفكر الشمولي العابر للحدود, سواء القومي" البعث والقوميين " او الديني " الاخوان المسلمون وحزب التحرير " قبل ظهور التفريعات الجديدة من قاعدة وتفريعاتها, والاشتراكية " الشيوعيون ", فكانت التجربة الحزبية مسكونة بهذه التركيبات, ولم يخرج حزب حتى بداية التسعينيات عن هذه النماذج, فلم ينتج المجتمع حزبه البرامجي او المحلي, الا مؤخرا, وجاءت منظومة الاصلاح السياسي لتبني هذا الجديد.

بالقطع جاءت منظومة الاصلاح, بعد ان زالت الهواجس الخارجية, فلم يعد هناك حواضن قُطرية للبعث, ولم يعد هناك مسكوب او كومنترن, بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وتشهد جماعة الاخوان المسلمين انتكاسة وجودية في معظم الاقتطار, بعد ان حازت الحكم في عواصم ثلاث, خرجت منها بجراح وخسائر, تستوجب المراجعة والتفكير العميق, لكن هواجس الدولة التي زالت بفعل كل ذلك, لم تنسحب على هواجس طبقات وفئات, استثمرت واستفادت سابقا من هذه الهواجس, بل تصدرت المشهد واحتكرت الوطنية الاردنية, بوقوفها ضد هذه التركيبات السياسية, لكنها رافضة للجديد, بدوافع مصلحية اكثر منها وطنية, لذلك جاء التحديث من الاعلى وبالضمانة اللازمة.

الكرة الآن في ملعبنا الوطني, اي نحن في صراع بين قوى مستفيدة من الحالة السابقة وتسعى الى تأبيدها, وبين قوى جديدة لم تتحرر من هواجس السابق, لكنها تسعى الى الانفلات منه, ولعل اكثر المحاصرين بالسابق وضرورة الانفلات منه, هو حزب جبهة العمل الاسلامي, لانه موضوعيا, هو اكثر القوى حضورا في المشهد السياسي, وهو ايضا يعاني مما يعانيه اليمين السياسي, الذي احكم سيطرته على المواقع, بالاضافة الى انه جزء من التحالف السابق مع اليمين السياسي التقليدي, بمعنى تقاسم المنافع, بين السلطة والمعارضة, لذلك يجب وضع النقاط على حروفها الحقيقية.

الصراع بين شركاء الامس, وكلاهما يعرف بواطن الآخر ونواقصه, وهما ايضا من اوصل الحالة السياسية الى ما وصلته, من ثنائية واستقطاب, والعقل السياسي, يقول انه يجب ان يترك هذا الصراع في فضاء حيوي حر, دون الترهيب والتأليب, فالحزب لم يرتكب ما يخرجه من الحالة الوطنية, لكن بالمقابل مطلوب منه فك الارتباط بالجماعة الدولية ومؤسساتها, وادارة الصراع وفقا للادوات الديمقراطية والدستورية وهو نفس الطلب من قوى اليمين المسيطرة, فأدوات التأليب والترهيب لم تعد صالحة, وادوات التخوين والتكفير غير صالحة ايضا, فالحزب يعاني اكثر مما يعانيه من الخارجين من رحمه, والذين اصطفوا في خندق اليمين السلطوي, وهم يعرفون مواطن الضعف, وعلى الحزب التخلي عنها واولها فك الارتباط بالجماعة, والعمل كحزب اردني خالص, حينها سيكون الصراع منتجا لظروف سياسية قابلة لفك الثنائية والاستقطاب, وترتاح الحالة الوطنية لمواجهة المخاطر الخارجية, وهي مخاطر وجودية بكل ما تعنيه الكلمة.

omarkallab@yahoo.com