نبض البلد -
حاتم النعيمات
الأخبار القادمة من إيران تشير إلى توسع الفجوة بين التيار المحافظ والإصلاحي، وجوهر هذا الصراع هو أن هناك من يريد مراجعة فكرة تصدير الثورة التي أصبحت مكلفة سياسيًا وعسكريًا وماليًا، وهناك من يرى أن الاستمرار ومحاولة استعادة سياسة الأذرع والتدخل في دول المنطقة هو الحل الأمثل. إذاً، إيران على مفترقٍ حادّ بين إرث الثورة وتحديات الدولة الطبيعية.
التيار المحافظ، الذي يسيطر على الحرس الثوري والأجهزة الأمنية، يرى أن أي انفتاح سياسي أو اقتصادي هو محض ضرب لجسم الثورة الإيرانية من الأساس. أما التيار المعتدل (الإصلاحي)، فيعتبر أن إيران دفعت ضريبة باهظة جدًا، ولم تعد قادرة على الاستمرار بسياسة المواجهة الدائمة، وأن طريق النجاة يمر عبر إعادة التموضع والانفتاح على العالم، أو بشكل أبسط أن تعود إيران إلى وضعية دولة تبحث عن مصالحها، لا ثورة تريد التمدد.
يأتي كل ذلك، في ظل احتمال عودة الحرب المباشرة بين طهران وتل أبيب، وفي ظل أزمة اقتصادية ناتجة من عودة العقوبات الدولية ومن خسارة طهران لأدواتها في المنطقة مثل نظام الأسد وحزب الله.
المتشدّدون المحافظون يتحدثون عن "اقتصاد المقاومة” والذي يعني ضمنًا السيطرة على جزء من موارد الدول التي تزرع فيها إيران أذرعها، وخلق قدرة على الضغط لفك العقوبات الدولية. في المقابل يرد المعتدلون على ذلك بضرورة الاعتماد على "الاقتصاد الواقعي” الذي يقوم على صادرات النفط والغاز. التيار المتشدد ببساطة يريد إدارة العزلة، والإصلاحي يعمل للخروج منها. وعلى وقع هذا النقاش الحاد يرزح الشارع الإيراني تحت ضغط الأسعار والبطالة والتضخم وأزمة مياه خانقة.
أما على مستوى السلطة العليا، فهناك تقارير تتحدث عن انخفاض واضح في شعبية المرشد الأعلى، إذ وجد جزء من الشعب أن هناك وجهة نظر أخرى منطقية علنية (رؤية الإصلاحيين) يمثلها الرئيس ووزير خارجيته، فالصدام أصبح علنيًا وواضحًا. فكرة التوريث داخل نظامٍ وُلد من رحم الثورة تحمل تناقضًا بنيويًا، وتثير قلق أطرافٍ كثيرة في المؤسسة الدينية والأمنية على حد سواء، هذا الملف تحديدًا قد يكون بوابة الانقسام الأخطر في مستقبل الجمهورية الإسلامية، لأنه يمسّ جوهر الشرعية التي قامت عليها.
تزداد الصورة قتامة مع تراجع الثقة بين الدولة والمجتمع، القمع الذي تبع احتجاجات السنوات الأخيرة، والرقابة المشددة على الإنترنت، وغياب أفق الإصلاح، كلها عناصر جعلت العلاقة بين السلطة والجيل الجديد علاقة متوترة. ومع ذلك، يبقى النظام متماسكًا ظاهريًا بفضل القبضة الأمنية، لكنه داخليًا يعيش حالة "تصلب” أكثر من حالة "استقرار”.
علاقات إيران الخارجية مع حلفائها موضوعة اليوم على الطاولة أيضًا، فقد تعالت الأصوات التي تسأل عن الدعم الروسي والصيني إبان الهجوم الإسرائيلي- الأمريكي الذي كان في شهر حزيران الماضي (حرب الـ 12 يومًا)، فقد اكتفت هذه الدول بالمواقف السياسية ولم تقدم أي دعم حقيقي لحماية الدولة من الاختراق العميق الذي ظهر مع بداية الهجمات.
في المحصلة، ما يجري في إيران ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل إعادة تشكيل بطيئة في عمق النظام؛ فإما أن تعود السياسة الإيرانية الخارجية إلى رشدها، وبالتالي يصبح من السهل استعادة الرضا الشعبي، أو تبقى مؤشرات الاحتقان تتصاعد على وقع تهديدات خارجية من إسرائيل وأمريكا وعقوبات أوروبية حادة. إيران تقترب من لحظة مراجعة مؤجلة لا مفرّ منها، ولكن هل سيكون التغيير سلسًا أم سيحمل أضرارًا على نسيجها السياسي؟.