م. عدنان السواعير
ما أقوله هنا ليس دفاعًا عن أحد، ولا انتقاصًا من أحد.
مقالتي هذه ليست ضد معالي رئيس الجامعة الأردنية، الذي نعرف جميعًا حرصه على أبنائه الطلبة في أم الجامعات، وسعيه الدائم لتوفير بيئة جامعية قائمة على التعاون والتآلف والتسامح والتنافس العلمي والثقافي.
وليست أيضًا مع طلبتنا الذين شاركوا في المشاجرة الأخيرة داخل حرم الجامعة، فهؤلاء أبناؤنا قبل أن يكونوا طلبة في مؤسسة تعليمية.
لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه بصدق وجرأة هو: ماذا قدمنا لهم حتى نعاقبهم؟
هل واكبنا نشأتهم الفكرية والإنسانية كما يجب؟ هل هيأنا لهم بيئة جامعة تُعبّر عن طاقاتهم وتوجهاتهم وتمنحهم مساحات آمنة للحوار والانتماء؟
نحن نُباغتهم عند وقوع الخطأ، لكننا نغيب عنهم في مرحلة البناء.
وعندما نفصل طالبًا وقد تبقى على تخرّجه شهران، فإننا لا نعاقبه وحده، بل نعاقب عائلة كاملة، ونرتكب خطأ تربويًا مضاعفًا بحق المستقبل ذاته.
لنكن صريحين: ما حصل في الجامعة الأردنية لم يكن وليد لحظة غضب، بل نتيجة فراغ فكري وتنظيمي وثقافي تراكم عبر السنوات.
لقد منَعنا عن طلبتنا أشياء كثيرة، وعلى رأسها العمل السياسي المنظم داخل الجامعات، فكانت النتيجة الطبيعية أن عادوا إلى أول هوية يجدونها جاهزة وهي الهوية العشائرية.
ليس لأنهم لا يؤمنون بالوطن، بل لأننا لم نمنحهم البديل الذي يُنظّم انتماءهم في إطار وطني جامع.
حين نحرم الطلبة من النشاط السياسي والفكري الحر، نحرمهم من التدرّب على الحوار، على الاختلاف، على احترام الرأي الآخر، على الشعور بالمسؤولية الجماعية.
وعندما يغيب هذا كله، تملأ الفراغ العصبية والانفعال والانتماء الضيق.
لقد كتبت قبل ثلاث سنوات إن السماح بالعمل السياسي والحزبي في الجامعات كان خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنه أعاد للطلبة حقهم الطبيعي في التعبير والمشاركة والانخراط في الشأن العام ضمن أطر قانونية ووطنية.
وكتبت ايضاً عندما صدر نظام الأنشطة الحزبية في الجامعات أنه خطوة للوراء لأنه قيّد الحريات وخلق حالة من التردد والخوف لدى الطلبة، بدل أن يعزز ثقتهم بأن العمل الحزبي قيمة تربوية ووطنية.
بهذا التراجع، أرسلنا رسالة سلبية إلى الشباب، مفادها أن المشاركة ليست مرغوبة، وأن الصمت أكثر أمانًا من الفعل، وهو ما أعاد إنتاج ثقافة الانكفاء والاحتقان.
وها نحن اليوم نجني بعض نتائج هذا الارتباك في السياسات الجامعية، حين يتحول غياب الإطار المنظم للمشاركة إلى فوضى، وغياب الحوار إلى عنف، والفراغ إلى عصبية.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط قرارات تأديبية، بل مراجعة جذرية لدور الجامعة:
هل هي مجرد مؤسسة تمنح الشهادات؟ أم أنها مدرسة للوطنية والعقل والروح؟
إن إعادة الاعتبار للحياة السياسية داخل الجامعات لم تعد ترفًا، بل ضرورة وطنية، لأن الجامعة التي تخرّج المواطن الواعي هي الجامعة التي تزرع في طلبتها قيم الانتماء لا الولاء الضيق، الحوار لا الصدام، والفكر لا العنف.
هؤلاء الطلبة هم مرآتنا، فإن رأينا فيهم عنفًا، فلأننا لم نزرع فيهم ثقافة الحياة والمواطنة كما ينبغي.