خلدون خالد الشقران

الأردن… مرجع الاستقرار وصوت العدالة في زمن التحولات الكبرى

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران

الأردن… مرجع الاستقرار وصوت العدالة في زمن التحولات الكبرى


في عالمٍ يموج بالأزمات وتتصارع فيه المصالح، يبرز الأردن من جديد بوصفه نقطة التوازن الوحيدة في معادلة الشرق الأوسط، وصوتًا للعقلانية في زمنٍ يتقدّم فيه الصخب على الحكمة، قمة «ميد 9» في سلوفينيا لم تكن مجرّد محطة دبلوماسية عابرة، بل تأكيد متجدد على الثقة الأوروبية بدور الأردن وقيادته، وعلى المكانة التي يحتلها جلالة الملك عبدالله الثاني في هندسة الحوار الدولي وإعادة تعريف مفهوم الأمن الإقليمي.

من بورتوروز، حمل الملك الرسالة ذاتها التي لم تتبدّل رغم تبدّل المشهد السياسي: لا أمن في الشرق الأوسط دون سلامٍ عادلٍ وشاملٍ للفلسطينيين، وقد جاءت دعوته لتنسيقٍ مشترك بين دول الجنوب الأوروبي ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة لتطبيق اتفاق إنهاء الحرب في غزة، خريطة طريق واضحة نحو استقرارٍ مستدامٍ لا يكتفي بوقف النار، بل يؤسس لسلامٍ حقيقي يوقف دوّامة الدم.

لقد أدرك الأردن مبكرًا أن الهدن المؤقتة لا تصنع سلامًا، وأن العدالة وحدها هي صمام الأمان للمنطقة بأسرها، ومن هذا الإدراك العميق جاءت المواقف الهاشمية التي وضعت البعد الإنساني في قلب المعادلة السياسية، مؤكدًا أن اختبار الإنسانية يبدأ من معابر غزة لا من بيانات المؤتمرات.

البيان المشترك الصادر عن الأردن ودول «ميد 9»، والذي وصف المملكة بـ«الشريك الموثوق وذي المصداقية»، لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل اعترافًا بدورٍ ميداني وسياسي ملموس جعل من عمّان مركزًا إقليميًا للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وركيزةً أساسية في جهود إعادة الإعمار، كما أعاد التأكيد على الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات في القدس، في تأكيد أوروبي صريح بأن استقرار المدينة المقدسة يبدأ من احترام الوضع القائم الذي ترعاه القيادة الأردنية.

في المقابل، أظهرت المشاركة الأردنية في القمة — وهي الثانية على التوالي — أن المملكة غدت شريكًا في صناعة القرار الأوروبي المتوسطي، لا سيما في الملفات التي تتقاطع فيها السياسة بالأمن والهجرة والمناخ والطاقة، لم يعد الأردن مجرّد جسر تواصل بين الشرق والغرب، بل أصبح ركيزةً فكرية وسياسية في صياغة الحلول، بما يملك من مصداقية مستمدة من التاريخ والمواقف الثابتة.

قمة «ميد 9» لم تكن فقط اجتماعًا سياسيًا، بل كانت مرآةً عكست رؤية الأردن للسلام العادل كمدخلٍ للاستقرار، وللتعاون كوسيلةٍ لمواجهة أزمات العالم المعاصر، لقد قدّم جلالة الملك أمام القادة الأوروبيين معادلةً أخلاقية واضحة: أن السلام يبدأ من غزة، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس منّةً سياسية، بل استحقاقٌ تاريخيٌّ وإنسانيٌّ وشرطٌ لبقاءٍ مشترك للمنطقة والعالم.

من سلوفينيا إلى شرم الشيخ، ومن بروكسل إلى نيويورك، يواصل الأردن أداء دوره الطبيعي كصوتٍ للعقل في زمن الغضب، وكحارسٍ لمبادئ العدالة في عالمٍ يختبر إنسانيته كل يوم، وحين يتحدث الملك عبدالله الثاني، فإن حديثه لا يُسمع فحسب، بل يُصغى إليه، لأنه صادرٌ عن ضميرٍ عربيٍّ مسؤول، لا يساوم على الحق ولا يهادن في العدالة.

هذا هو الأردن… ثابتٌ في الموقف، راسخٌ في المبادئ، وصادقٌ في الالتزام.
صوتٌ لا يعلو عليه صوت، في زمنٍ يحتاج إلى من يقول الحقيقة كما هي، لا كما تُراد أن تكون.