الكيان الصهيوني وقانون “المقاتل غير الشرعي”: تشريع احتلالي متطرف

نبض البلد -

كتب محسن الشوبكي

في ذروة الفوضى الأمنية التي شهدتها المنطقة مطلع الألفية، أقرّ الكيان الصهيوني عام 2002 ما يعرف بـ"قانون المقاتل غير الشرعي"، وهو تشريع يمنح جيشه وأجهزته الأمنية صلاحيات واسعة لاعتقال أي فلسطيني من غزة أو الضفة الغربية دون محاكمة أو توجيه تهمة محددة، بدعوى أنه ينتمي إلى "قوة معادية”.
وعلى الرغم من أن هذا التعريف لا وجود له في القانون الدولي الإنساني، إلا أن الكيان الصهيوني استخدمه لتأسيس فئة قانونية جديدة لا تتمتع بأي من حقوق المدنيين أو أسرى الحرب، وبذلك أوجد منطقة رمادية قانونية تتيح له تجاوز كل الضمانات التي تكفلها اتفاقيات جنيف.

منذ السابع من أكتوبر 2023، أعاد الاحتلال الصهيوني تفعيل هذا القانون على نطاق غير مسبوق، فحوّله إلى أداة جماعية للاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، شملت آلاف الفلسطينيين في غزة والضفة. ولم يقتصر الأمر على المقاتلين أو عناصر المقاومة، بل طال مدنيين وموظفين وأطباء وصحفيين، نُقل كثير منهم إلى سجون داخل الكيان، في انتهاك مباشر للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل سكان الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة المحتلة.
بهذا، لم يعد القانون وسيلة استثنائية بل تحوّل إلى نظام دائم لإدارة الاحتلال عبر الإجراءات الأمنية.

تحت ستار "الأمن”، تمكّن الاحتلال الصهيوني من احتجاز أشخاص إلى أجل غير مسمى، وتجريدهم من الحق في الدفاع والتمثيل القانوني، مع تجديد الاعتقال الإداري بقرارات عسكرية سرية. ولأن القانون يدمج بين مفهومي "المقاتل” و”المدني” على نحو متعمد، فقد سمح بطمس الحدود التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني، الذي يميّز بوضوح بين من يشارك في القتال ومن لا يشارك. والنتيجة أن الكيان الصهيوني بات يحتجز المدنيين كمقاتلين غير شرعيين، ويستهدف بيوتهم وممتلكاتهم كما لو كانوا جيوشًا معادية، بينما يُعفي نفسه من أي التزام تجاههم كقوة محتلة.

المفارقة الأخطر أن هذا القانون يُطبَّق في إطار سلطة احتلال، وليس بين دولتين متحاربتين. فالكيان الصهيوني يمارس سيطرة فعلية على الأرض والسكان، ويتحمل وفق القانون الدولي مسؤولية حماية المدنيين لا معاقبتهم. ومع ذلك، يستخدم هذا القانون لتبرير سياسات الهدم والمصادرة والإعدام الميداني، وهو ما تصفه الأمم المتحدة بأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي المحظور. إن الاحتلال الذي يصوغ قوانينه الداخلية لتبرير تجاوزاته، لا يمكن أن يستند إلى الشرعية الدولية التي تناقض جوهر سلوكه.

أما التناقض الأوضح، فهو أن الكيان الذي يصنّف الفلسطينيين كمقاتلين "غير شرعيين”، هو ذاته الذي يُعتبر أكثر من نصف مواطنيه خدموا في الجيش أو قوات الاحتياط، ويتلقّى عشرات الآلاف من المدنيين فيه تدريبات قتالية ويحملون أسلحة فردية بترخيص رسمي. فكيف يمكن لكيان مسلح بالكامل، يوزع السلاح على مستوطنيه علنًا، أن يدّعي أن شعبًا أعزل هو من يشكل تهديدًا وجوديًا عليه؟
إن ازدواجية المعايير هذه تكشف أن الهدف من القانون ليس الأمن، بل إضفاء طابع قانوني على هيمنة الاحتلال وإدارة الفلسطينيين ككتلة أمنية قابلة للعقاب الجماعي.

في جوهره، يمثل قانون "المقاتل غير الشرعي” خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، لأنه يُسقِط عن السكان المحميين مكانتهم القانونية، ويحوّل الاحتلال إلى سلطة فوق المساءلة. إن تمسك الكيان الصهيوني بهذا التشريع وتوسيعه بعد 7 أكتوبر يعكس رغبته في ترسيخ نظام قانوني موازٍ للقانون الدولي، يمنحه الشرعية لاحتجاز وقتل الفلسطينيين دون حساب. ومع استمرار هذا النهج، يتأكد أن ما يجري في الأراضي المحتلة لم يعد مجرد تجاوزات ميدانية، بل بنية قانونية مقصودة تُنتج احتلالًا بلا قيود ولا حدود.